يتساءل الأدباء والمثقفون في العاصمة المقدسة: هل سنحتفل هذا العام بمرور خمسين عاماً على تأسيس النادي في مقره الجديد؟! ونحن من جانبنا نتساءل: ما هي الآثار السلبية لعدم تسلم مقر النادي الجديد حتى الآن والذي يقع على الطريق الدائري وقد بدأ العمل به عام 1436هـ؟ ما هي الأسباب الحقيقية لعزوف المجتمع المكي وفي مقدمتهم رجال الأعمال عن دعم النادي؟! من أين نبدأ لاستعادة النادي مكانته وتأثيره ومساره الصحيح؟! هل انشغال أعضاء مجالس الإدارات السابقين بمناصبهم شغلهم عن دورهم الحقيقي؟!
عشر سنوات نبحث عن عنوان؟!
يقول الأستاذ الدكتور حامد بن صالح الربيعي ـ رئيس مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الأدبي ـ : استقر أدبي مكة منذ تأسيسه عام 1395هـ في فيلا بحي العزيزية، تقدم بها العمر، وأصبحت متهالكةً لا تفي بالاحتياجات الضرورية، وحين جاءت اللفتة الأبوية الحانية من المغفور له بإذن الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهي مَكرُمة سخية للأندية الأدبية، والرياضية بقيمة عشرة مليون ريال ، بادر مجلس إدارة النادي بإنشاء مقر جديد يفي بطموحات الأدباء والمثقفين من المواطنين والزائرين، ويليق بمكة المكرمة، و منذ بدأت أعمال التنفيذ عام 1436هـ، كانت ومازالت تحدو إدارته الحالية التي تبنت المشروع آمال لا حدود لها في دعم المقتدرين من رجال الأعمال، كما حصل مع بقية الأندية المنتشرة في أرجاء الوطن الغالي! خاصةً بعد أن استنفدنا المَكرُمة الملكية، وتوقف المشروع رغم ما بذلناه من جهود مضنية في البحث عن دعم مالي لنتمكن به من استكمال ما تبقى؟!
لماذا غاب رجال الأعمال؟!
ويشير الربيعي إلى حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها أو تجاهلها ـ حسب وصفه ـ إنه مع حرصنا الشديد على أن يكون أدبي مكة فاعلاً في الساحة الثقافية، وبذلنا في سبيل ذلك ما نعتقد أنه أقصى طاقتنا في ظل الظروف والمعوقات إلا أن تأخر استكمال المشروع وتسلم المبنى كان له تأثيره السلبي على الفعاليات، وعلى المكتبة، وعلى جذب الجمهور، وشداة الأدب من الشباب من الجنسين! مما يجعلنا – وقد أتحتم لنا هذه الفرصة من منبر صحيفتكم الموقرة – أن نهيب برجالات مكة النبلاء الأوفياء؛ بما عهدناه منهم والمبادرة لدعم دار المثقفين والأدباء، ونحن على ثقة أنهم لن يخذلونا؛ لعلمنا بحرصهم على كل ما من شأنه خدمة الوطن عامةً، ومكة المكرمة خاصةً، ونحن بدونهم – بعد الله – لن نتمكن من استكمال حلم الأدباء والمثقفين والمفكرين في هذه المدينة العزيزة على قلوبنا جميعاً!
الأسباب الحقيقية للعزوف عن الأندية الثقافية؟!
يؤكد الشريف منصور بن صالح أبو رياش ـ رجل أعمال ـ أن الفعاليات الثقافية التي ظلت جامدةً ومحافظةً على نمطها التقليدي ولم تتطور لتواكب العصر أمام تحدٍ كبير في مواجهة ما نجم عن الثورة التقنية والمعلوماتية، وما فرضته من واقع يتسم بالكثير من المغريات وعوامل الجذب؛ مما انعكس على الصالونات والأندية الأدبية والثقافية خاصةً في العشر سنوات الماضية؟!
ويشير الشريف أبو رياش لمفارقة تستدعي الوقوف والتأمل؛ فرغم أن المجتمع السعودي زاخر بالمثقفين والأدباء وحملة الشهادات العليا في كافة المجالات؛ نرى أن التباعد وأخذ موقف سلبي من الأندية الأدبية في تزايد، وكان يُفترض العكس! مطالبا بالبحث عن الأسباب الحقيقية لعزوف الشباب والمثقفين والأدباء عن الفعاليات الثقافية، ومحملا الأندية الثقافية جزءاً كبيراً من المسؤولية؛ بسبب ما وصفه بانقطاعها عن محيطها الثقافي وبيئتها الاجتماعية!
الفرصة الوحيدة لتصحيح المسار!
يتفق الشريف أبو رياش على ضرورة عودة نادي مكة كدار للمثقفين والأدباء لكن كيف يتحقق هذا الحلم؟ يستطرد قائلاً: وذلك بالحلول العلمية والواقعية والمبتكرة وهذا بالضرورة يحتاج لجهود كبيرة، وقراءة موضوعية للواقع، وفهم التحديات، وتحليل المشهد العام من خلال دراسات متخصصة، وبمشاركة وإشراف جهة علمية مرموقة مثل جامعة ام القري لإجراء استبيانات، وأبحاث متخصصة للخروج بتوصيات و مقترحات واقعية؛ تسهم في تفعيل دور النادي الأدبي ليعود وبقوة لينهض برسالته النبيلة؛ كملتقى للمثقفين والأدباء منطلقاً من روح الإسلام، وجماليات اللغة العربية الفصحى، والأهم استقطاب ورعاية المواهب الشابة في جميع فروع الثقافة والأدب .
ويضيف أبو رياش أن المسؤولية مشتركة، ولاسيما أن النادي يحمل اسم عاصمة العالم الإسلامي؛ ومن هذا المنطلق فالمأمول أن يكون النادي مرجعاً حقيقياً للثقافة المكية ومنفتحاً على الثقافات الأخرى، بالترجمة منها وإليها؛ ليبلغ الآفاق!
رحلة عمرها خمسة عقود من العطاء
تقول فاتن محمد حسين ـ عضو نادي مكة الثقافي الأدبي، كاتبة صحفية ـ : عمل نادي مكة الثقافي الأدبي كملتقى للمثقفين والأدباء ومركزاً ثقافياً، يجمع نخبة من الأدباء والمثقفين في فعاليات متنوعة منذ عام ١٣٩٥هـ حيث افتتحه معالي وزير الشباب الأمير فيصل بن فهد رحمه الله تعالى. وقد أحدث حراكاً ثقافياً في مكة المكرمة؛ لأنه أنطلق في فعالياته وإصداراته من قيم ومبادئ الإسلام، واهتم باللغة العربية الفصحى، ورعى المواهب الشابة تدريباً وتثقيفاً في الرواية والقصة والخط العربي والشعر وغيرها من المجالات ،وعمل على بث روح المنافسة من خلال جائزة النادي التي يرصد لها مبالغ جيدة؛ لتشجيع الأدباء والشعراء والمفكرين، وسعى النادي ليكون مرجعاً حقيقياً للثقافة المكيَّة بطباعة الكتب والمؤلفات التاريخية والأدبية، وخطط أن يكون منفتحاً على الثقافات الأخرى، بالترجمة منها وإليها، ولكن قد تكون العوائق المحيطة بعمله لم تساعده على استكمال بعض من أهدافه.
بين خيارين: مبنى “متهالك” وآخر على “العظم”!
وتؤكد حسين أن رؤساء النادي من خلال عدة مجالس لم يدخروا وسعاً من أجل أن تحظى الثقافة والأدب في مكة المكرمة بما يليق بحضارتهما؛ فهي مهد التراث الإنساني والثقافي والادبي؛ ولكن للأسف بسبب غياب دعم هذه الجهود في الآونة الأخيرة، وعدم وجود مرجعية لتعزيز مكانته التاريخية؛ نجده قد تقهقر للوراء بالرغم من قيام كافة الفعاليات عبر الزووم؛ ولكن الاحتياج أن يكون مركزاً ثقافياً وهو ما خُطط له في المبنى الجديد، والذي اكتمل منه حوالي ٧٠ ٪ وتصادمنا بعدم توفر الدعم لذا بقي النادي (عظم) لا فائدة منه؟! وفي هذا هدر للموارد والمكتسبات التي سبق وتقديمها من وزارة الاعلام ومَكرمُة المغفور له ـ بإذن ربه ـ الملك عبدالله بن عبدالعزيز مضيفةً؛ وترى حسين أنه كان من الأجدر مواصلة الدعم من وزارة الاعلام أو من وزارة الثقافة؛ وتحفيز رجال الأعمال بمكة المكرمة مقترحةً أن تكون كل قاعة باسم أحد الشخصيات البارزة الداعمة؛ متأسفةً لعودة النادي إلى موقعه القديم الواقع في حي العزيزية، لتعثر مشروع المقر الجديد!
“دار المثقفين” يا دايم السيف!
ترى حسين من وجهة نظرها أنه كان يُفضَّل بدلاً من الانتقال للمبنى القديم توصيل الصوت لأصحاب القرار وفي المقدمة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل، فسموه صاحب مبادرة (بناء الانسان وتنمية المكان)، وما تبقى هي أعمال التشطيبات الداخلية والخارجية مشيرةً إلى أن جزء من المبنى خطط ليكون (فندقي) للاستدامة المالية حيث يُعد المبنى واجهة حضارية لأم القرى؛ لوقوعه على الدائري الثالث، وهو المدخل الرئيسي لضيوف الرحمن الذين يفدون إلى مكة المكرمة خلال موسمي الحج والعمرة، وممكن تأجيره ، كما يمكن إقامة مناشط أدبية وثقافية خلال موسم الحج؛ تستهدف ضيوف الرحمن الذين يفدون من كافة أقطار العالم.
لم يشفع له تاريخه؟!
ويؤكد الدكتور عبدالله بن رده الحارثي ـ عضو النادي ورئيس مشروع كيف نكون قدوة بالنادي ـ على أن نادي مكة الثقافي الأدبي نادٍ عريق، فهو من أوائل الأندية الداعمة للثقافة والأدب في المملكة العربية السعودية بشكل عام، وفي مكة المكرمة بشكل خاص حيث تأسس عام 1395 للهجرة، وهو النادي الوحيد في المملكة الذي يحمل صفة “الثقافي” ، وله دور كبير في نشاط الحركة الثقافية والأدبية من خلال ما يقدمه من برامج وفعاليات ومحاضرات وندوات وحوارات ولقاءات وبرامج تدريبية وورش عمل واصدارات ومشاركات في المناسبات الوطنية؛ كل ذلك جعل من النادي مهوى أفئدة للمثقفين والمتخصصين ، فهو نخبوي بالدرجة الأولى ويقوم رئيس النادي الحالي الدكتور حامد الربيعي بدور مشكور باذلاً جهوداً كبيرة للانتهاء من أعمال تنفيذ المبنى الجديد ؛ ليكون مركزا ثقافيا وحضاريا متفردا ورائدا في منطقة مكة المكرمة، ولكن يواجه مشروع استكمال النادي قلة الموارد المالية، ونهيب برجال وسيدات الأعمال الأخيار والمحبين لمكة ولناديها الثقافي سرعة تبني هذا المشروع، والمساهمة الجادة في استكمال هذا المعلم الحضاري الثقافي الرائع في مهبط الوحي بالعاصمة المقدسة؛ ليستفيد منه سكان مكة ومثقفوها وأبناؤها وضيوفها وزوارها ، ويستكمل مسيرته الثقافية والأدبية المباركة؛ ليكون جنباً إلى جنب مع المعالم والمراكز المتميزة والمعنية بالزيارات في مكة المكرمة.
محطات ورموز لا ينساها التاريخ!
يتذكر خالد محمد الحسيني ـ تربوي ، إعلامي ـ تاريخ النادي منذ كان في أم الجود فترة رئاسة الشيخ الأديب الكبير ابراهيم فودة نهاية العام ١٣٩٧هـ، ورغم محدودية المكان كانت تقام العديد من اللقاءات والأمسيات، ثم انتقل لمقره في حي العزيزية الذي تبرع به الشيخ سالم بن محفوظ ـ رحمه الله ـ عام 1402هـ ، وكان يزوره العديد من الشخصيات منها الشيخ عبدالعزيز بن باز ، و الأمير فيصل بن فهد ، والشيخ حمد الجاسر ، والشيخ محمد حسين زيدان ـ رحمهم الله ـ ، وكان النادي يستضيف طوال العام أسماء كبيرة سواء في الأدب أو الشعر أو الشخصيات العامة ، ثم كانت رئاسة الدكتور راشد الراجح التي شهدت أمسيات عدة في مجالات مُختلفة ، ثم فترة رئاسة معالي الدكتور سهيل حسن قاضي التي حصل فيها تغيير ملحوظ في برامج النادي والضيوف ، وكانت بداية اختيار مقر النادي الجديد على الطريق الدائري الثالث ، وبداية العمل في تنفيذ المشروع حتى غادر قاضي ، ولم يكتمل المبنى! لظروف فنية أهمها عدم توفر الموارد المالية الكافية فتوقف العمل، وفي فترة الإدارة الحالية للدكتور حامد الربيعي بُذلت محاولات للحصول على موارد كافية لاستكمال المشروع إلا أنها باءت بالفشل لعدم وجود تجاوب! مناشداً الوزارة و أهالي مكة ورجال الأعمال دعم النادي معتبراً وجود مقر مناسب أمر في غاية الأهمية والضرورة لخدمة الرسالة الثقافية والأدبية ولتحقيق حلم المثقفين والمبدعين والأدباء بالعاصمة المقدسة.