التربية: هي تنمية الوظائف الجسمية، والعقلية، والخلقية، والنفسية كي تبلغ كمالها.
والتعليم هو: عملية تيسير التعلم، لاكتساب المعرفة والمهارات، والمبادئ والمعتقدات، والعادات…
وهما متلازمان تُلازم الليل والنهار، وكل منهما لا ينفك عن الآخر، فلا تعليمًا سويًا مفيدًا بدون تربية، ولا تربية قويمة بدون تعليم، لأن التربية هي الأرضية والبيئة التي ينشأ فيها التعليم، ويترعرع، والتعليم هو غراس تلك التربة، فكلما كانت صالحة كان غراسها صالحًا، وصلاح الغراس وطيب ثمره دليل على صلاح التربة، والعكس صحيح في كلٍ منهما.
فبقاء الأمم وصلاحها مرهون ببقاء قيمها ومبادئها، قال تعالى:(وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَٰهَا تَدْمِيرًا) الإسراء آية: ١٦.
فقد رتب الله سبحانه وتعالى هلاك الأمم على فسقها وهو: الخروج عن حدود الشرع، وبعث نبيه ليتمم مكارم الأخلاق، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). الراوي: أبو هريرة – المحدث: الألباني- المصدر: السلسلة الصحيحة.
وذلك لعظم أهميتها في تماسك الأمم ونمائها، وحتى الشعراء تغنوا بذلك فقال أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال أيضًا:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوم النفس بالأخلاق تستقم
فالتربية المتوازنة والمعتدلة تهيئ بيئة صالحة للتعليم، عمادها المبادئ السامية, وروحها القيم النبيلة، وسياجها الشرع الحنيف، والعلم يهذب هذه القيم والمبادئ وينميها، والقيم بدورها تضبط مسار العلم ليكون محققًا لنمو المجتمعات وإسعادها، أما في غيابها فربما ينحرف عن المسار السليم إلى شقاء الأمم وتدميرها.
ويمكن أن نستبين صواب ذلك، من خلال المشهدين الآتيين:
أولهما: حال العرب قبل بعثة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وحالهم في عصر النبوة وصدر الإسلام.
وثانيهما؛ حال بلادنا قبل توحيدها على يد ابنها البار الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه- وحالها بعد ذلك.
تأملوا هذين المشهدين بروية، وستدركون العلاقة بين التربية والتعليم، إذا هيئت لهما البيئة الصالحة للعطاء المتجدد.
فالتربية والتعليم هما مصدرا القوة والعدل، والقاعدة الصلبة التي تعتمد عليها الأمم في تقدمها، وتطورها، وأخذ مكانتها اللائقة بين الأمم؛ لذا كانا يقعان في قلب معارك هذا الزمن المتعدد الأوجه، والمتداخل في الأهداف، والبالغ التعقيد في مشكلاته الشاملة لجميع جوانب الحياة، وعلى رأسها الانفجار المعرفي الهائل الذي أضحى ينشر ظلاله على العالم أجمع بقوة وسرعة عالية، والتخطيط المقصود لتدمير القيم، وانتشار مواقع التواصل كانتشار النار في الهشيم، مما أصبح لزامًا على المجتمع بكامل مكوناته أن يبني قاعدة تربوية قيمية وعلمية، تقف أمام هذا الطغيان، والزحف المقصود على القيم لتدرأ آثاره، وتحذر من الغرق في سيله الجارف، وتكون أساسًا لقوة فكرية، واقتصادية، وعسكرية، تقوده نحو الاتجاه الصحيح، على أساس من القيم النبيلة، والمبادئ الأصيلة، والعلم الرصين، والوعي الرشيد، ولا شك أن هذا أصبح تحديًا
يواجه المجتمعات أجمع، والمسلمة منها بشكل أقوى، مما يجعل المهمة أصعب، والوعي أنضج.
وسأتحدث عن الحلول الممكنة في الموضوع القادم -إن شاء الله-.
– مديرعام التعليم بمنطقة مكة سابقًا