المقالات

تناقضات الغرب

كلَّل جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية مسلسل التناقضات الغربية التي كشفت للعالم مدى الإِزدواجية التي يُمارسها الغرب ممثلاً بأمريكا والإِتحاد الأُوروبي، وذلك إثرَ تصويره أوروبا على أنها “حديقة” أما بقيَّة العالم فهو “غابة” ولكلِّ تشبيه ما يحتمله بالطبعِ من معانٍ ودلالاتٍ واضحة، فالحديقة تتسم بالتنظيمِ والجمال والهدوء، أما الغابة فتتسم بالفوضى والوحشية والقبح. لم يقل هذا الكلام “العنصري” في أيِّ مكان بل قاله أثناء افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية الجديدة في العاصمة براج في بلجيكا.
يبدو أن الصراع الروسي الأُوركراني قد كشف الكثير من السياسات المزدوجةِ، والشعارات الزائفة للغرب، رغم أنها لم تكن مخفيَّة قبله، إلا أنها ازدادت نصوعاً، ووضوحاً ابتداءً من وصف بعض الإعلاميين الأوروبيين اللاجئين الأوكرانيين بأنهم ليسوا كاللاجئين الآخرين، وأنهم شُقر الشعر وأنهم من جنس الأوروبيين، وقد أرادوا أن يعلنوا موقفهم العنصري من البقية بأنهم مجرَّد قطيع، متشرِّد وليسوا بشراً لهم حقوقهم كبقية البشر في هذه الحياة.
ترفعُ الدول الغربية شعار “سيادة الدول وحرية شعوبها في تقرير مصيرها” في الوقت ذاته هي من يملك ماضياً استعمارياً دموياً لا تعترفُ به، أما حاضرها فلا يكاد يختلفُ عن ماضيها إلا باختلاف وسائله وعلى رأسها الغزو غير المبرر للدول بحجج كاذبة ولعل قضية غزو العراق هي أكبرُ شاهدٍ على الكذب الغربي وبإقرارِ ساسته، حتى دمِّرت مقدرات هذا الشعب العريق، وقتل وشرِّد الملايين منه.
يرفعُ الغرب شعار الحريات، وحقوق الإِنسان وهو لا يقيم وزناً لحقوق الإِنسان في الدول الأُخرى، وعلى رأس ذلك الكيان الصهيوني الذي يغضُّ الغربيون النظر عن جرائمهم وإباداته واغتصابه لأرضِ فلسطين، وتدنيسه لمقدساتها.
الغربُ متناقضٌ في مبادئه، متأرجحٌ في سياسته، لا يملكُ قاعدةً واضحةً يمكن لبقية العالم أن تتعامل به معهم فيشعرون بالأمان والإطمئنان، فهو متقلِّب من اليمين إلى اليسار ومن المحافظين إلى الديمقراطيين، ومن العمَّال إلى المحافظين، وكل جانبٍ له من السياسات ما تجعل العلاقات والإتفاقات رهينة لها؛ الأمر الذي يُراكمُ كثيراً من العقبات والصعوبات في طريق التعامل الدولي أكان على صعيد السياسة أو الإقتصاد أو الثقافة أو غير ذلك من القضايا.
يتناقضُ الغربُ في سياسة الكيل بمكيالين في فرض العقوبات وإشهار العصا في وجه كل من لا ينصاع لإِملاءاته، أو يرضخ لسياساته، أو يذعن لتطبيق قيمه الوضيعة أخلاقياً، وهذا جميعه لا ينسجم مع حقوق الإنسان وسيادة والدول وحرية تحقيق المصير وهي شعارات يتشدَّقُ بها الغرب في خطاباته التي باتت زائفة، ومفتقدة للمصداقية.
لقد أصبح العالم بحاجة ماسَّة إلى تعدد الأقطاب لكي تتحرر الدول من إملاءات الغرب، وتناقضاته التي تتناغم مع مصالحه، دون أي اعتبار للدول التي تسعى إلى تنمية أوطانها، واستثمار مواردها بالطرق التي تخدمُ مصالحها. وإذا كان الإستعمار القديم يقوم على الوجود الواقعي على الأرض لنهب مقدرات الشعوب، فالأمر يبدو هو نفسه اليوم ولكن عبرَ الضغط على المصالح بالعقوبات الإقتصادية والسياسية والتزييف الإِعلامي.
لقد أصبحت سياسات الغرب، وشعاراته، وخطاباته مكشوفة تماماً وذلك في الصورة العامة التي تتناقض مع المباديء الدولية التي يتغنَّى بها الغربُ نفسه، فهو لا يكترثُ لا بالقوانين الدولية، ولا بالمواثيق الأُممية، إن لم تتجانس وتتناغم مع توجهاته.

• كاتب وشاعر وإعلامي عُماني

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button