نترقّب قدومهم على شوق، ونحسب الأيام تباعًا استبشارًا بهم؛ فيأتون ليملأوا حياتنا بهجة، نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. يكبرون أمام أعيننا، ترعاهم قلوبنا قبل أيدينا .
نسترخص لهم كل غالٍ، ونستعذب من أجلهم كل تعبٍ أو عناء. إنهم أبناؤنا فلذات أكبادنا.
يكبرون ويكبر معهم أمران: خوفنا عليهم وآمالنا بهم .
خوفنا عليهم ذلك الخوف الذي تحتّمه التحديات والمغريات التي تحيط بهم، وعالمٌ مفتوح بملهياته ونزغاته .
وتكبر معهم آمالنا بهم، تلك الآمال التي نتمناها لهم ونرجوها منهم؛ فهي لهم مستقبل ورخاء، وهي لنا فرحةٌ وحَصاد عمْر .
وحتى نخفّف من حدّة خوفنا وقلقنا عليهم، وحتى نصل بهم ومعهم إلى بر الأمان، وإلى تلك الآمال والتطلعات .
علينا أن نملك الوعي بأهمية دورنا، والإدراك لحيثيات وجوانب التعامل مع الأبناء، وهي مهمة تطغى وتسود على كل المهمات .
والسبيل إلى ذلك نأخذه من توجيهات ديننا، وهدي نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ومن سير علمائنا، وأقوال مفكرينا وتجارب ذوي الخبرة والاختصاص من المربين والتربويين .
الأسرة هي المحضن التربوي الأول والأساس، فكلما كان المحيط الأسري مترابطًا متآلفًا كلما انعكس ذلك على الأبناء إيجابًا وسلوكًا، وإن نقص أحد الوالدين أصبح العبء على أحدهما مضاعفًا، والأجر واقعًا .
قسّم أحد الحكماء النفس البشرية في كتابه إلى ثلاثة أقسام: عقل وروح وجسد، وأعطى لكل منهما غذاءً .
فغذاء العقل العلم، وغذاء الروح الإيمان، وغذاء الجسد الطعام .
هذه القاعدة لو طبقت لكونت إنسانًا سويًا متوازنًا واعيًا.
لتحقيقها لا بد أن نؤسس في الأبناء أهمية العلم؛ ليكون أمرًا مصيريًا لا تنازلًا عنه .
وأن نغرس فيهم حب الإيمان ليكون أمرًا مقدسًا لا تهاون فيه، وأن نبني الأجسام برزقٍ حلال وتوازن في الاستهلاك .
التربية الناجحة هي التربية المتوازنة. القائمة على الاحترام المتبادل، والعدل بين الأبناء، والجمع بين المحبة دون تدليل، والحزم دون عنف، ومعرفة الحقوق والواجبات.
بدل أن نحاول تغيير عادة سيئة عند أبنائنا فلنغرس بدلًا عنها عادة حميدة، ونشغلهم بهواية أو مهارة أو فائدة .
المحفزات النفسية ضرورية كالمسابقات والمكافآت المادية والمعنوية؛ وخاصة في الصلوات وحفظ القرآن.
الأجهزة الإلكترونية نقيّدها بالبرامج المناسبة وبالعمر المناسب، ونجعل لها وقتًا محددًا .
لا نحكم على أبنائنا في فترة المراهقة؛ بل نوجههم ونحتويهم، وقد عبّرت هذه الكلمات عن ذلك خير تعبير “كونوا مع أبنائكم يكونوا بخير؛ “كونوا معهم بعقولكم وقلوبكم واهتمامكم ووقتكم وصبركم ..يكونوا بخير من كل أذى، أو خطر عقائدي، أو أخلاقي .
وسنام ذلك كله أن نكون قدوةً صالحةً لهم، وعقال الأمر ومربط نجاحه: الدعاء.
وفي كتاب الله إرشاد لذلك إذ يقول سبحانه :
” حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” (١٥) سورة الأحقاف .
ولنا في أبي الأنبياء الخليل إبراهيم -عليه السلام- خير قدوة إذ أحسن الدعاء فقال :
“رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” (40) سورة إبراهيم
ومع الجَهد في الغَرس يكون الحصاد مثمرًا مبهجًا .
وتبقى القيم والمبادئ موجهةً للمعالي، ومُعزةً لشأن وطنٍ أعطى ويستحق الوفاء.