أشكر أستاذي القدير الدكتور ناصر بن علي بشية لسببين أولهما: لكونه كان قائدًا تربويًا بارعًا لثانوية السروات بالظفير أثناء ما كنت طالبًا في ذات المدرسة، أذكر مواقفه المتميزة خطيبًا بارعًا ومتحدثًا لبقًا ومديرًا مثقفًا محفزًا لطلابه حريصًا على مستوى تحصيلهم العلمي، ووقتها كان يطلق على ثانوية السروات جامعة لرقي مستوى التحصيل الدراسي وحيازة الخريجين على مقاعد بحسب رغباتهم في الجامعات السعودية، واحتضان المدرسة لكل النشاطات الرياضية والفنية مما جعلها ذات مكانة مهمة بين المدارس في نظر إدارة التعليم إبان إدارة الدكتور فهد الحارثي -رحمه الله- الذي زار المدرسة لأكثر من مرة مشيدًا بإدارتها مبتهجًا ببرامجها المتنوعة إذ إن أول مدرسة ليس على مستوى المنطقة الجنوبية بل على مستوى مدارس المملكة تفتح داخلها ناديًا للغة الإنجليزية قام بمهمة الإشراف عليه المعلم بول ذو الجنسية الأمريكية، وكانت بادرة مميزة واستباقًا للمعتاد وخروجًا عن المألوف، أما السبب الثاني الذي أمنحه شكري وتقديري إهداؤه لي كتابه الموسوم بـ “الظفير نموذج قروي من أزد شنوءة غامد وزهران”، ومنحني هذا الكتاب التاريخي الأنثروبولوجي الثمين فرصة التعرف على أحداث تاريخية مرت بها غامد وزهران في قرون مضت، وهذا الكتاب أعتبره نافذة يمكن أن يطل منه القارئ على معلومات ما كان له معرفتها لولا هذا الجهد المتميز ((وجهد غيره من المؤرخين))، وقد بدأ المؤلف بتوطئة عن هجرة الأزد وأسبابها والمواقع التي سكنوا بها ومن ضمنها أزد السراة شنوءة سراة الحجاز، وهي الحالية غامد وزهران في حدودها الإقليمية بين خثعم وثقيف شمالًا، وامتدت إلى البحر الأحمر وصولًا إلى وسط الجزيرة العربية شرقّا، وأورد المؤلف معلومة بأن غامد بن عمرو أول من بنى جدار الكعبة فسمي الجادر وهم الجدارة متكئًا على جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي، ورحل الأزد 115 قبل الميلاد في أعقاب سيل العرم وانهيار سد مأرب لتستولى حِمْيَر على جميع منجزات الأزد وإعادة بناء السد وترميمه؛ حيث بقي متماسكًا حتى عام 455 وتصدع مرة أخرى في عهد أسعد التبعي الكامل الذي قام أيضًا بإصلاحه بحسب النقوش الحميرية على جدار السد، وتطرق إلى قصة وفد غامد نقلًا عن سويد بن الحارث الغامدي بعد أن أوضحوا حقيقة قولهم وإيمانهم قال الرسول -صلى الله عليه وسلم – عنهم حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء وزادهم خمسًا لإتمام عشرين خصلة التزموا بها، وأشار الباحث إلى أن غامد وزهران بما فيها ((الظفير محور البحث)) ضمن ولاية الحجاز في عهد بني أمية وحين انتقلت الخلافة إلى بني العباس عين المهدي بن المنصور الدوسي إمرة السراة جميعًا، وفي عهد المماليك ظلت ولاية الظفير تتبع شريف مكة حتى سنة 1516 م ويقوم بالأمر عنهم شيوخ القبائل وبعد سقوط دولة المماليك أصبحت الدولة العثمانية صاحبة النفوذ في الجزيرة العربية لتنفصل الدولة العثمانية صاحبة النفوذ في الجزيرة العربية وانفصال حكومة الحجاز عن الدولة العثمانية، وتصبح ضمن حكومة الحجاز وولاتها الأشراف، ونلحظ بأن هناك تعاقبًا وصراعًا مستمرًا على هذا الإقليم، ويمتد الصراع حتى بعد مجيء عابدين بك القائد التركي ليقف القائد بخروش بن علاس وعدد من القادة الجنوبيين ضده في معركة شهيرة معركة بسل، وظلت غامد وزهران تحت وطأة صراع بين أشراف مكة وحكام آل عائض عسير، ومن الإضاءات التي أوردها المؤلف:
* دعوة الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود الإمام الثالث في الدولة السعودية الأولى لغامد وزهران عام 1212هجري، وتقلد الإمارة فيها عن الدولة السعودية الأولى القائد بخروش بن علاس الزهراني.
* محاصرة هزاع بن عون قرية الباحة1831م وإحراقها لمساعدة أهلها العسيرين في الحرب ضد جيش الشريف.
* في عام 1846 م الحقت مشيخة بالحويرث وهم الظفير وقرى شدا بالشيخ صالح بن عدنان.
* حاكم عسير عائض بن مرعي نزل العقيق بجيش كثيف، واستولى عليها وأرسل سرية بقيادة ابن مفرح، وقام بإحراق قصور ابن عدنان في رغدان وذلك عام 1834م.
* القائد التركي أحمد باشا اتجه بجيشه إلى رهوة البر وتقدم عائض بن مرعي على رأس جيش كثيف وتمركز في جبل البريدة جنوب الظفير، وجرت معركة بين أحمد باشا وقبائل زهران في بني سار، ونتج عنها قيام الباشا بحرق قرى بني سار والمصرخ والقرن في عام 1841.
* واصل حربه ضد العسيرين المتمركزين في جبل بريدة بالظفير، وبعد معركة دامية استمرت لثلاثة أيام استسلمت القوات العسيرية، وطلبوا الأمان من الباشا بعد خسارة مروعة وعين الشريف منصور 1259 هجري.
* في عام 1321 كان الانتصار المؤزر لقبائل زهران وغامد ضد الترك؛ حيث نشبت أوار المعركة في شبرقة لتنتقل إلى الموسى ثم رهوة البر ورغدان حيث قُتل القائد التركي في سوق الأحد برغدان ويتراجع الجيش التركي نحو الباحة في مكان يسمى بصفا العجلان، وتم القضاء على شراذمهم لتكون نهاية الحكم العثماني.
* بعض المعلومات تحتاج إلى تدقيق، أشار الباحث في كتابه إلى نزول الشريف منصور الظفير في عام 1819م وهناك وثائق أخرى تشير إلى نزول الشريف منصور بلاد غامد في رغدان عام،1237 واستمر حتى 1243 هجري.
* حظي الكتاب بوقفات دقيقة من الدكتور عمر موجان كسعة أفق المؤلف وأهمية الظفير في التاريخ القديم والحديث والأمن في العهد السعودي الزاهر وإخلاص أهالي منطقة الباحة وولائهم للدولة السعودية ودور المرأة في المجتمع المحلي وحب المؤلف لقريته واحتواء الكتاب على الكثير من المصطلحات المحلية وهي ترتبط بأعراف وعادات أصيلة وبمكارم أخلاقية ونبل صفات، وتميز السرد التاريخي وانسياب الصياغة وانتقاء العبارات والاستشهاد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وأمثال عربية وقصص مشوقة مبينًا أن المؤلف ضليع في اللغة خبير في التاريخ عميق في القراءة أستاذ لجيل من الوزراء والأمراء ومدراء الجامعات والضباط والأطباء والمهندسين والمعلمين والقضاة والمحامين.
* الكتاب يقع في قرابة 500 صفحة يزخر بمعلومات تاريخية جديرة بالقراءة والاطلاع عليها .
* والفصل الأخير من الكتاب اشتمل على التركيب السكاني والحياة الاجتماعية والأسرية والبناء العمراني والأسلوب الزراعي والعادات والتقاليد والأملاك الخاصة لدى أهالي الظفير.
* بقي القول بأن هناك تكرارًا في بعض المواضع يحتاج إلى تنقيح ليخرج بصورة مميزة تخدم المهتمين بالدراسات التاريخية.
* واختصارًا للقول أرى أهمية هذا الكتاب الذي يسجل حقبة تاريخية مرت على منطقة الباحة رصدها بعين الباحث المتعمق في التاريخ والتراث.
0