المقالات

تكريم الأموات تأنيب ضمير أم ضريبة تأخير؟!

يعد تكريم المبدعين ظاهرة ثقافية وسلوكًا حضاريًا في حياة أي مجتمع من المجتمعات كونه يحفزهم ويحافظ على الإبداع الفكري للنخب المثقفة من علماء ومخترعين وأدباء وفنانين، فالتكريم بالنسبة للمبدعين يزيد من قيمتهم ويضاعف من أعمالهم وطاقاتهم مما يمكنهم من مواصلة إنتاجهم وعطائهم؛ فينعكس ذلك إيجابًا على المجتمع الذي يعيشون فيه، كذلك فإن التكريم يعد قيمة إنسانية تدل على وفاء الشعوب ورقيها، بدليل أن العالم المُتقدم يكرم رواده ليشكلوا نماذج وقدوات لأجيال تشاطرهم لذة هذا الإبداع.

إلا أنه بات من الملاحظ في زمننا هذا أن ميزان ومقياس التكريم أصبح ملتصقًا بكلمة – رحمه الله – وكأنها أصبحت شرطًا من شروط التكريم، مما يجعلنا نتساءل: لماذا لا يكرم المبدعون إلا بعد موتهم؟ وما الجدوى من تكريمهم وهم بين اللحود وقد كانوا أحياء بيننا في الوجود؟! وهل تكريم الأموات إحساس بتأنيب الضمير، واعتذار لهم عن التقصير الذي كان في حياتهم؟! أم أننا أصبحنا لا نشعر بجمال الأشياء إلا بعد فقدها؟! ومع كل هذه التساؤلات المعقدة في ظاهرها إلا أنني أكاد أجزم أن الجميع يعرف إجاباتها قبل طرحها، لأن هناك المئات ممَّن يستحقون التكريم ما زالوا إلى الآن على رأس العمل ويجلسون في مكاتبهم وشهاداتهم وأوسمتهم حبيسة الأدراج فقد أُدرجت في قائمة الانتظار حتى يُغادرونا الحياة فتقدم لذويهم مطرزة بأجمل عبارات الحزن؛ فندرك بعدها أنهم كانوا يستحقون التكريم قبل الرحيل إلى القبور .

وخلاصة القول: فإننا لا نعارض تكريم المثقفين الراحلين لما يحمله هذا التكريم من عرفان لأعمالهم وتقديرًا لما أضافوه للمجال الثقافي والمعرفي طوال حياتهم، فتخليد ذكر العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والميادين والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، يعد أمرًا حسنًا لكن الأهم من هذا كله هو الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير رغد العيش لهم وفاءً وتقديرًا لما قدّموه لمجتمعاتهم. فكم سمعنا من قصص لمبدعين لم يأخذوا حقهم من الاهتمام والرعاية والتشجيع، بل إن بعضهم لم يجد ما يسد به قوت يومه أو حتى علاج مرضه.

وخزة قلم :
لو أن نصف ما يدفع على حفلات تكريم المبدعين (الأموات) ذهب لتكريم المبدعين (الأحياء) لتقدمنا أكثر، فكريًا وثقافيًا وعلميًا !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى