المقالات

لماذا اختارت إدارة بايدن المواجهة مع السعودية على المهادنة؟

للأسف عدد من الكتاب الغربيين يربطون الشراكة السعودية الأمريكية فقط بمبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية، ويعتبرونها الوحيدة التي حددت الشراكة بين البلدين، وأيضًا يربطون تدهور الشراكة التي حددتها ولسنوات مبيعات الأسلحة الأمريكية الضخمة مقابل التعاون في مجال الأمن والطاقة، على غرار مقال تحليلي كتبه “ريتشارد هال” في صحيفة “الإندبندت” البريطانية تحت عنوان المواجهة بين بايدن والمملكة: هل تعني نهاية العلاقات الأمريكية السعودية؟ ويعتبر في مقاله أن هناك قلة من الكتاب كانوا يتوقعون تدهور هذه العلاقة.
لكن الكثير من الكتّاب الغربيين وحتى بعض الكتاب العرب لا يستوعبون تلك العلاقة الاستراتيجية بين البلدين التي دامت لعقود من الزمن، ومرت بمراحل تجاذبات، كانت أقواها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تحدث تجاذبات اليوم كذلك عندما خفضت السعودية مليوني برميل يوميًا من النفط اعتبارًا مع بداية شهر نوفمبر 2022، اعتبرته أمريكا انحيازًا لروسيا، ومن المرجح أن تؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار الطاقة حول العالم، وعندما صدمت ضراوة رد الفعل الأمريكي المسؤولين الرياض، اضطرت السعودية أن ترد ببيان صادر عن وزارة الخارجية السعودي أوضح فيه أن إدارة بايدن طلبت تأجيل قرار الخفض لشهر واحد، اعتبرته السعودية وكأنه تدخل سعودي في الانتخابات الأمريكية، وهي لا تتعامل مع حزب بل تتعامل مع أمريكا الدولة، مما أدخل إدارة بايدن في أزمة مع الحزب الجمهوري.
لكن اتجهت السعودية كعادتها نحو تخفيف هذا الاحتقان بين الجانبين، لتثبت لأمريكا وللغرب من أنها ليست منحازة إلى روسيا خصوصًا عندما صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بإدانة محاولة روسيا لضم أربع مناطق أوكرانية؛ فهو نابع من دعمها للالتزام بالمبادئ الراسخة في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وتأكيدها على احترام سيادة الدول، ومبادئ حسن الجوار، وحل النزاعات بالطرق السلمية، ولم تتوقف السعودية عند هذه الخطوة بل اتجهت إلى تقديم حزمة مساعدات إنسانية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، واستعداد السعودية للاستمرار في جهود الوساطة، لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض “كارين جان بيير” عن تقديم السعودية مساعدات لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، لا يلغي قرار منظمة أوبك بلس بخفض إنتاج النفط.
هناك كاتبة أمريكية كارين إليوت هاوس تختلف في كتاباتها عن بقية كتابات الغربيين الآخرين بسبب عُمق معرفتها بالسعودية ومؤلفة كتاب (المملكة العربية السعودية، شعبها، ماضيها، دينها، ومستقبلها) وهي زميلة في مركز بيلفر بجامعة هارفارد، وهي ترى أن العلاقات لم تمر بمثل هذا السوء منذ الأربعينيات، بسبب أن هذه المرة إدارة بايدن هي التي تثير المشاعر المعادية للسعودية، بسبب أن بايدن تدخل شخصيًا لإقناع الرياض بزيادة الإنتاج في يوليو 2022 عندما زار السعودية لأول مرة بعد توليه الرئاسة، ما دفع المتحدث باسم البيت الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي للتصريح بأن الولايات المتحدة تدرس إعادة التفكير في العلاقات الأمريكية السعودية، لكن تعتقد هاوس أن الخلافات بين إدارة بايدن والسعودية أعمق من بكثير من أسعار النفط، وأن الرؤساء الديمقراطيين في الآونة الأخيرة ينظرون إلى علاقاتهم مع السعودية على أنها لم تعد ذات قيمة كما كانت من قبل.
هناك عدد من النواب الديمقراطيين فقط دون الجمهوريين مثل بوب مينيديز الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الذي دعا إلى وقف مبيعات الأسلحة، كذلك رو جانا ذو الأصول الهندية الذي دعا إلى معاقبة السعودية، وأيضًا رتشارد بلومينتال الذي دعم زيارة بايدن للسعودية على عكس بقية الديمقراطيين، فهو يدعو لسحب الإمكانيات العسكرية الأمريكية من السعودية، كذلك شحذت صحيفة واشنطن بوست سكاكينها الحادة ضد السعودية كعادتها التي كانت تنشر كتابات خاشقجي ضد السعودية، ويملكها جيف بيزوس المعادي للسعودية، وواجه بايدن قرار السعودية بخفض الإنتاج بالسحب ممن الاحتياطي الاستراتيجي بنحو 180 مليون برميل تبقى منها 10 مليون برميل وسيرفعها إلى 15 مليون برميل؛ حيث انخفض الاحتياطي الاستراتيجي إلى 408 مليون برميل، وهو أقل مستوى منذ أمد بعيد.
رئاسة بايدن كانت ولا تزال اختبار ضغط للعلاقات الأمريكية السعودية، رغم ذلك فإن سؤال وجه إلى المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير بشأن وجود خطط لذهاب أي من مسؤولي الإدارة الأمريكية إلى مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي سيعقد في الرياض في 25 أكتوبر 2022، قالت بيير: ليس لدينا أي شيء للإعلان عنه في الوقت الحالي، لكنها أجابت بشأن اعتقادها بأنه من المناسب للشركات الأمريكية أن تواصل استثمارها في السعودية قائلة: إن الشركات الأمريكية ستتخذ قراراتها الخاصة بشأن وجودها ومكان الاستثمار، كما تفعل في جميع أنحاء العالم.
يعتبر بلينكن وزير الخارجية الأمريكي عراب الاتفاق النووي مع إيران، وهو غاضب من الموقف الإيراني الذي يصطف إلى جانب روسيا ويدعمها بالمسيرات بدون طيار، إلى جانب موقفها من قمع المظاهرات، فأصبح الاتفاق النووي الإيراني مريض بسبب أن هناك “لوبي داعم” للسعودية في الولايات المتحدة أقوى من لوبي إيران، فأصبح الميزان يميل لصالح اللوبي الداعم للسعودية في أمريكا، خصوصًا وأن الأرقام تؤكد أن الجمهوريين الذي وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب من الممكن أن يحصل على الأغلبية في مجلس الشيوخ بعد البرلمان، ويعود الانقسام من جديد بين الحزبين، وسنرى من يقود الأغلبية في يناير 2023، كما حدث في منتصف ولاية أوباما.

– أستاذ بجامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى