للغة العربية أهمية كبيرة تنبثق من نواحٍ عدّة، أهمها: ارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي والقرآن الكريم، فقد اصطفى الله تعالى هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون وعاءً لكتابه العظيم ولتتنزل بها الرسالة السماوية الخاتمة “إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون”. ومن هذا المنطلق ندرك عمق الصلة بين اللغة العربية والإسلام، على هذا النحو عبر علماء الإسلام عن هذه العلاقة المتينة بين اللغة العربية والدين فابن تيمية، على سبيل المثال، يقول: “معلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرضٌ على الكفاية “. وقال أيضًا “إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يفهم إلا باللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب”. ومن قبل ابن تيمية بقرون عديدة نجد الإمام الشافعي يربط جهل الناس بالتخلي عن اللغة العربية، وذلك في معرض حديثه عن الابتداع في الدين، يقول: “ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب”، وقريبًا من هذا قول الحسن البصري – رحمه الله- في المبتدعة “أهلكتهم العجمة.”
وقد أكدت مصادر تاريخية عديدة وبلسان وشهادة العديد من المستشرقين أن “اللغة العربية لغة قوية بل من أقوى اللغات وتكمن قوتها في أنها استطاعت أن تستوعب الحضارات المختلفة، العربية، والفارسية، واليونانية، والهندية، المعاصرات لها في ذلك الوقت، وأن تجعل منها حضارة واحدة، كما قيل “عالمية المنزع، إنسانية الرؤية، وذلك لأول مرّة في تاريخ اللغات” (منقول بتصرف).
وحقًا، إن المرء ليدهش اليوم وهو يرى ويطالع ذلك الاهتمام الغربي اللافت باللغة العربية، وتشير إحصاءات أن هناك 38 جامعة وكلية ومعهدًا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها لتعليم اللغة العربية؛ على أن أوروبا سبقتها فقد اعتنت بتعليم اللغة العربية بحكم الاستعمار للدول العربية كما اهتمت أيما اهتمام بحركة الترجمة التي ازدهرت بشكل كبير منذ عقود طويلة لنقل العلوم العربية الى سائر دول أوروبا. كما أن هناك 11 جامعة وكلية ومركزًا تعليميًا في بريطانيا تدرس فيها اللغة العربية شعرًا ونثرًا وكتابة وتحدثًا.
وفي هذا الإطار، أنشئت على مر التاريخ الحديث مراكز في دول أوروبا كلها ومنها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، لعل أكثرها شهرة مركز لتعليم اللغة العربية الذي يسمى البيت العربي في مدريد، و المركز الخليجي في بريطانيا، ومعهد العالم العربي في فرنسا؛ واستقطب هذا الأخير من خلال حصص اللغة في فرنسا 120,000 طالب وطالبة، وعززت هذه المراكز دراسات المفكرين والمترجمين المصريين من أمثال رفاعة الطهطاوي، وطه حسين، وقد اهتمت فرنسا منذ عهود بعيدة باللغة العربية لأسباب سياسية وثقافية، منها الاستعمار والرغبة في نقل العلوم العربية والإسلامية التي كتبت باللغة العربية، فقد أوصى الملك فرنسوا الأول منذ القرن السادس عشر بإدخال اللغة العربية الى أرقى مؤسسة تعليمية عمومية في فرنسا وهي الكوليج دو فرانس (منقول بتصرف).
وتشير مصادر تاريخية عديدة إلى تأكيد الفرنسيين على أهمية دراسة اللغة العربية، وكان وزير التربية الفرنسي جان ميشال بلانكير آخر من أكّد أهمية تدريس اللغة العربية وذلك في شهر سبتمبر أيلول 2018، وأجيزت فريديريك فودة، في التاريخ وبأعلى شهادة فرنسية باللغة العربية، وعملت طويلًا كمستشارة ثقافية في مركز اللغة والحضارة العربية في معهد العالم العربي، وشاركت مع بريجيت ترانكار في وضع كتاب لتعليم العربية للناطقين بغيرها ، كما شاركت في وضع اختبار قياسي للغة العربية على الكومبيوتر ووضعت حجر الأساس الأول في اختبار قياسي دولي لإثبات المستوى في العربية، بالتعاون بين أساتذة اللغة في معهد العالم العربي وخبراء الاختبارات القياسية في المركز الدولي للدراسات التربوية (السليمان، 2022) .كما أن دولًا مثل مالطا وهي جزيرة صغيرة في البحر المتوسط ولكنها دولة مستقلة بذاتها ولها لغة خاصة بها في أوروبا تتكلم اللغة العربية؛ إذ يتحدث أهل مالطا اللغة العربية، أو لغة قريبة منها إلى حد كبير، أطلقوا عليها اللغة المالطية وهي لغة مشتقة بالأساس من اللغة العربية (السليمان، 2022).
وبفضل القرآن الكريم والدين الإسلامي وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم النبي العربي والذي أرسله الله رحمة للعالمين بلسان عربي مبين أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة.
كما تتجلى أهمية العربية في أنها مفتاح الثقافة الإسلامية والعربية، ذلك أنها تتيح لمتعلمها الاطلاع على كم حضاري وفكري لأمّة تربّعت على عرش الدنيا عدّة قرون وخلفت إرثًا حضاريًا ضخمًا في مختلف الفنون وشتى العلوم.
ولذا فإنه ليس بغريب على قلب العالم الإسلامي ومهبط الوحي بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية أن تعزز مكانة لغة القرآن الكريم وقد خصصت لها جائزة باسم جائزة الأمير خالد الفيصل للغة القرآن الكريم، عبر مساراتها الأربعة والمتمثلة في: الريادة العلمية، والريادة التقنية، والريادة المجتمعية، إلى جانب مسار الشخصية اللغوية المميزة، وكان محور الجائزة الرئيس لهذا العام «اللغة العربية وريادة الأعمال.” جائزة الأمير خالد للغة القرآن الكريم، تقام على نحو سنوي برعاية خاصة وتمويل من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، الرئيس الفخري لوقف لغة القرآن الكريم، وتصل قيمة جوائزها إلى مليوني ريال.
وتنبثق هذه الجائزة من وقف لغة القرآن في جامعة الملك عبد العزيز، بهدف تعزيز قيمة اللغة العربية لدى فئات المجتمع، وتحفيز الجهود للإسهام في تمكين اللغة العربية والاحتفاء بالمبادرات اللغوية المميزة، ويؤكد القائمون عليها أن الجائزة تستهدف المؤسسات والأفراد داخل المملكة العربية السعودية لتعزيز مكانة هذه اللغة العظيمة والكنز الباقي.
وقد أوضح الأمين العام للجائزة د. عبد الله بن سالم المعطاني أنّ موقع الجائزة استقبل هذا العام أكثر من 80 مبادرة (مؤسسات وأفراد)، وتوزعت على مسارات الجائزة المتعددة، وأن لجان الجائزة تعمل حاليًا على المرحلة الأولى، وهي الفرز والتأكد من استيفاء جميع المعايير، تمهيدًا للانتقال للمرحلة الثانية من التحكيم.
إن اللغة العربية هي الوعاء العظيم للقرآن والسنة، وإنها الوسيلة التي تم من خلالها نقل المفاهيم والقوانين الإسلامية. ولأن لغة القرآن والسنة هي اللغة العربية، فهي المصدر الرئيس للتواصل بين المسلمين. لطالما كانت أهمية اللغة العربية معروفة للأسباب المذكورة أعلاه. على أن هذه الأهمية ازدادت في السنوات الأخيرة وسوف تصبح في مكانة عالية الى أن يرث الأرض ومن عليها فهي باقية بقاء القرآن العظيم الذي تعهد الله بحفظه، كما قال: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” وإحدى مستلزمات حفظ هذا الكتاب العظيم حفظ الوعاء الذي حمله وهو اللغة العربية، ولهذا فاللغة محفوظة بحفظ هذا الكتاب.