الإهمال من أهم الأسباب وقلة الإمكانات وراء انتشار الظاهرة
تتزايد حوادث اعتداء المرضى النفسيين على بعض المارة في الشوارع والميادين العامة لتكشف عن خطر يعيشه هؤلاء الذين يجوبون الأحياء صباحًا ومساء دون أي اهتمام من المسئولين أو منظمات المجتمع المدني بعدما لفظهم ذووهم، الأمر الذي يعني أهمية وجود رقيب واهتمام واستيعاب الحالات لعلاجها في المستشفيات والمراكز النفسية المتخصصة.
ضرورة تعظيم الخدمات المقدمة
ويبحث المريض عن أي مكان يتناول فيه طعامه ويظل يمشي في الشوارع هائمًا قبل أن يقرر النوم على أحد الأرصفة، دون أن يسأل عنه أحد أو يهتم لأمره وصحته، وحذرت منظمة الصحة العالمية في إحصائية لها من خطورة تجاهل أزمة المرضى نفسياً وعقلياً الذين باتوا يُشكَلون أكثر من 20 % من سكان العالم.
وتروي مؤمنة طه، من محافظة القاهرة حكاية “أمجد”، بقولها “قدم من الصعيد إلى القاهرة وكان يبحث عن عمل ومرت ثلاث سنوات رأي خلالها الكثير من الظلم في العمل إلى جانب صعوبة العيش والنوم في بدروم، وعرفنا من أهله الذين حاولوا أن يعودوا به إلى بلدهم لكنه رفض، أنه يُعالج من الصرع، قبل أن ينسى الجميع ويصبح الشارع مكانه الوحيد وترك عمله وحتى أهله لم يعد يعرفهم ثم تجاهلوه، وحاول بعض أهل الخير معالجته في مركز نفسي إلا أن تكاليف العلاج كانت باهظة للغاية”.
وأضافت أن المرضى النفسيين منتشرون في شوارع القاهرة كلها، حتى في وسط البلد وأمام المراكز التجارية، مشيرة إلى وجود عجز في الخدمات المقدمة إلى هؤلاء الأشخاص إلى جانب زيادة أعدادهم في الفترة الأخيرة.
خطورة حقيقية على حياة المواطنين
وأكد الدكتور عبد الخالق إبراهيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن هناك أزمات عدة تواجه المنظومة كلها في مصر تبدأ من إمكانات المستشفيات والمراكز النفسية وعلاج الإدمان وخصوصًا الحكومية، إلى جانب عدم وجود المتطلبات الأساسية لتقديم الخدمة أو برامج مميزة يمكنها أن تكون على قدر الاستراتيجيات الصحية رغم خطورة المرض، الأمر الذي يدفع المواطنون إلى تجنب المرضى النفسيين في الشارع وعدم دفعهم إلى مراكز العلاج، وهو الأمر الذي يفعله في أغلب الأوقات معظم الأسر.
وشدد على أن وجود المريض النفسي في الشارع يمثل خطورة من ثلاث زوايا، الأولى أنه يصبح أكثر خطورة على نفسه ويتمادى في مرضه لعدم تناوله الأدوية والمهدئات اللازمة وعدم وجود طبيب يمكنه مراجعة الحالة، إلى جانب وجود عوامل قد تجعل المرض يزداد خطورة، ومن ناحية أخرى قد يمثل المريض خطورة على حياة المواطنين، وهو ما تكرر في حالات عدة سواء من خلال الاعتداء على المارة بالزجاج أو الحجارة أو حتى أسلحة بيضاء أو التعرض لهم بشكل أو بآخر، ومن ناحية ثالثة فإن المريض النفسي يمثل تحديًا واضحًا وخطورة على المجتمع ككل، وهو الأمر الذي يحتاج إلى زيادة السعة السريرية في المستشفيات النفسية وتوفير البرامج وتكثيف الدورات التي تقدمها وزارة الصحة في مجالات الصحة النفسية.
وقال الدكتور محمد غانم، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، في دراسة له، إن نسبة الإشغالات داخل المستشفيات عالية جدا تصل إلى100% لأن معظم المرضي الموجودين بالمستشفيات لا يخرجون إلا موتى ما يعني أن دورة السرير ضعيفة وقوائم الانتظار لا تتحرك ولا يستفيد من السرير إلا مريض واحد فقط.
وأضاف أن الخوف من ارتكاب المريض جرائم القتل أو غيرها بالشارع أمر لا يمكن الجزم به لأن الجرائم ليست مقصورة على المريض النفسي أو العقلي فقط بدليل أن هناك أصحاء يتعايشون في المجتمع ويرتكبون أبشع الجرائم فهناك ما يسمى جنونًا لحظيًا كما أن أي مريض نفسي قد يتحول لمريض عقلي إذا لم يتم علاجه العلاج الصحيح والمتابعة الدائمة وقد يفضل البعض الهروب من المستشفيات الخاصة المكلفة أو بسبب عدم الوعي بطبيعة الأمراض النفسية السائدة في المجتمع.