حينما عدتُ من الابتعاث تم إسناد مادة مفاهيم مهنة التمريض لي لتدريسها. تهدف هذه المادة في تزويد الطالب بمقدمة عن مهنة التمريض في التاريخ، وتأصيل المفاهيم في المهنة. في ظني هذه المادة من أهم المواد التي تدرس لطلبة التمريض؛ حيث تعتبر تأسيسية ولذلك كنت وزميلاتي التي يشاركن في تدريس هذه المادة ندرك حجم المسؤولية التي حملنا إياها، ونتمنى أن نكون ساهمنا في إيصالها بشكل يليق بالمادة وبطالباتنا الغاليات على قلوبنا.
حاولت استخدام العديد من المهارات التدريسية خلال تقديم المحاضرات للطالبات لتبسيط وإيصال المادة، وأهم هدف كان أن نستخدم المادة كإرشاد للطلبة لتعميق فهمهم للمهنة، والتمكن من استبقائهم للدراسة، والتقليل من تسربهم خلال السنوات. فتارة كنت استخدم الجانب الديني الإسلامي لتشريف هذه المهنة بدعم من رسول الأمة وخيرها سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وكيف كانت الصحابيات الجليلات يتسابقن لتمريض المرضى والعناية بهم، وتارة نستخدم الجانب التعليمي والوظيفي والقيادي ومال هذه المهنة من فرص قلما نجدها في المهن الأخرى، وتارة نستخدم أسلوب إبراز القيادات التمريضية السعودية، وتارة نستخدم التاريخ العالمي للمهنة من خلال قائدة التمريض الممرضة فلورانس نايتينجيل، والتي لها ميدان في لندن تكريمًا لجهودها العظيمة لوطنها.
كل هذه الأساليب التدريسية وبروح الأداء القصصي نعتقد بعد فضل الله أنها ساهمت في فهم المادة وتعزيز المهنة في قلوب الطالبات، ولكن هناك أيضًا أسلوب إضافي استخدمته، لاحظت أنه كان محركًا للطالبات بشكل مختلف، وهو حين سؤالي لهم عرفي التمريض من حروفه؟؟! أو استنبطي مفاهيم مهنة التمريض من حروفها؟؟! هذا السؤال البسيط كان يجلجل القاعة ويفتح القلوب والعقل، ونبدأ في الحوار والنقاش، وفي كل مرة كنت أدرس فيها هذه المادة نستنبط عددًا من المفاهيم الثابثة والأصيلة لمهنة التمريض أولها التفاني، نعم.. إنه التفاني لأن هذه المهنة تحتاج هذا المفهوم للفهم والتطبيق فلا يمكن أن يكون الممرض ممرضًا مخلصًا متميزًا بدون أن يركز على هذا الجانب في مهنة التمريض، وهذا ما يميز ممرضًا عن آخر أنه الجانب الذي لا يراه إلا المرضى. الممرض يجب عليه التفاني في المهنة، إنه مثل الجندي الذي يقوم بحماية وطنه ولو فداه بروحه حبًا. فإن كنت ممرضًا أو تنوي أن تكون ممرضًا فاعلم أن التفاني للتمريض هو في أعلى الهرم فاحرص على تنمية هذا المفهوم.
يأتي بعد التفاني المهارة، وهي ركيزة التمريض، والتي نحصل عليها من خلال الحرص على التعليم والتدريب المستمر لتطوير مهارات العناية التمريضية، والبحث والإبداع والابتكار وتنمية القدرات القيادية في المنظومات الصحية. إن كوادر التمريض أكبر كادر في المنشآت الصحية؛ فإذا كان لديهم المهارة نضمن بعونه تعالى منظومة صحية ناجحة ومميزة، وتكتسب رضى المرضى والمراجعين.
وبعد المهارة تأتي الرعاية وهو المفهوم الفعلي والتطبيقي لمهنة التمريض. يقوم الممرضون بتقديم الرعاية للمرضى لضمان تعافيهم جسديًا ونفسيًا وعقليًا، وبعد الرعاية اليقين وهو مفهوم مبني على اليقين بشفاء المرضى لذلك الاستمرار في رعايتهم حتى لو نعلم أنهم لن يبرأوا مما ابتلوا به، ولكن يقين بالله وكرمه نستمر في تقديم الرعاية للمرضى متوكلين لا متواكلين.
وبعد الرعاية نصل إلى الضمير، وهو لب وخلاصة مهنة التمريض. لذلك دومًا نتطلع ونأمل أن يمتهن هذه المهنة أصحاب الضمير الحي الذي يجعل الله أمامه حين يقدم الرعاية التمريضية للمرضى، فهم بعد الله تحت رحمته سواء كانوا كبارًا أو شبابًا أو صغارًا أو ذوي الإعاقة.
تفانٍ، مهارة، رعاية، يقين وضمير مفاهيم تشرح مهنة التمريض العظيمة والإنسانية؛ سائلين الله أن يكرم التمريض بكوادر يدركون ويطبقون التمريض من حروفه.
مقال مفيد وممتع اتمنى للكاتبة التوفيق والسداد في حياتها العلمية والعملية.