المؤسسات المسؤولة عن التعليم والتدريب والتنمية بمختلف مسمياتها وبتعدد مراحلها وتنوع أنشطتها من: (مدارس وجامعات وكليات ومعاهد ومراكز) جميع هذه المؤسسات تُعد بمثابة الأم داخل الأسرة؛ فإن صلحت الأم صلحت الأسرة، وإن فسدت فعلى الله العوض، وكذلك حال المؤسسات المسؤولة عن تعليم وتهذيب وتدريب شرائح كبيرة داخل المجتمع؛ فإذا صلحت تلك المؤسسات صلح حال المجتمع كونها تؤدي دورًا أساسيًا في تنمية المجتمعات البشرية وتطويرها، بل وتعد الأمين على أهداف المجتمع والمصدر المزوَّد له باحتياجاته من الكوادر البشرية المؤهلة، لِمَ لا!! وهذه المؤسسات تحتضن أكبر شرائح المجتمع وأكثرها أهمية وهم النشء والشباب؛ حيث تسهم في تشكيل شخصياتهم وتزويدهم بالمهارات اللازمة وتعمل على غرس القيم والاتجاهات الإيجابية التي تحرص عليها المجتمعات المتقدمة، ليكونوا أكثر استعدادًا لاستلام زمام المسؤولية والمشاركة في تحقيق حاجات المجتمع، وتطوير احتياجاته نحو الأفضل وبما يتناسب مع متطلبات التنمية الشاملة، ومن هذا المنطلق أولت الحكومة السعودية اهتمامًا كبيرًا بدعم تلك المؤسسات، وبتخصيص مبالغ مالية ضخمة تتجاوز في الغالب نسبة (50%) من مجمل الميزانية من أجل تنمية الموارد البشرية، والتي تغطي التعليم والتدريب لتأهيل كوادر بشرية تسهم في بناء المجتمع، وتعمل على تحقيق الأهداف التنموية للدولة.
وتعد ظاهره الفساد الإداري والمالي من الظواهر الخطيرة وهي عقبة تواجه مسيرة التنمية في كثير من البلدان وعلى الأخص الدول النامية، حيث أصبحت هذه الظاهرة سرطانًا ينهش في جسد كثير من مؤسساتها ودون شك أن تلك مصيبة؛ إلا أن المصيبة تكون أكبر عندما ينخر الفساد بقوة في مفاصل المؤسسات القدوة؛ التي تتولى مسؤولة التربية والتعليم والتدريب والتنمية والتطوير وغرس المبادئ والقيم الفاضلة؛ فتصبح عندها كلمة الفساد كلمة مقيتة تعافها النفوس السوية وتكرهها وتشنعها العقول السليمة. وبكل أسف أن عددًا من تلك المؤسسات أصبحت تُمارس الفساد وبخاصة الفساد المالي عند ممارستها لأنشطتها الرئيسة التي يُفترض أن القيام بها يسهم في القضاء على الفساد، ومن ذلك أنشطة البحث العلمي والدراسات الاستشارية. حيث يتم تخصيص مبالغ مالية ضخمة لأبحاث ودراسات ضعيفة وركيكة وكثير منها لا يرى النور بل تبقى حبيسة الأدراج إن لم تُلقَ في سلة المهملات، عدا القليل من تلك الأبحاث والتي ربما تكون مسروقة!! تُستخدم في شكل آخر من أشكال الفساد، وهو الترقيات العلمية للصعود على أكتاف الآخرين!! وهو مشروع فساد آخر. نسأل الله التوفيق للمختصين بتشديد الرقابة عليه في المرحلة القادمة، وهناك صورة أخرى من صور الفساد تتمثل في عدم العدالة وغياب الموضوعية عند تشكيل فرق بحثية أو استشارية مدعومة ماديًا؛ وربما لا يعمل جميع أفرادها بل يكون البعض منهم ضيوف شرف، وهناك أسماء متكررة ربما تخصصات أصحابها لا تمت بصلة لموضوع البحث أو الدراسة الاستشارية. (تخيَّل طبيب الأسنان يجري عمليات لمرضى العيون، وطبيب العظام يجري عمليات جراحة قلب!!)
اللجان وما أدراك ما اللجان!! التي لا تُعرف أهدافها الحقيقية ولا متى تنتهي مهامها، والغريب أن يكون الأغلب من أعضائها من القيادات العُليا في المؤسسة؛ إضافة إلى الحاشية المقربين منهم، وقمة الفساد عندما تجد عضوًا من تلك القيادات أو الحاشية المقربة يشارك في عشر لجان أو أكثر (ممكن يكون هذا الداهية سوبرمان)؛ ولكن يبقى الهدف هو تنفيذ سياسة (أمسك لي وأقطع لك). للأسف أن هذه اللجان وفرق العمل والمبادرات في كثير من الجهات أصبحت بمثابة بقرة حلوب مسروقة تدر بخيراتها على سارقيها. والحقيقة أن هناك حلقات أخرى من مسلسل الفساد في تلك المؤسسات يصعب حصرها في مقال واحد منها على سبيل المثال صرف بعض بنود الميزانية في غير موضعها ومنها ميزانية البحوث؛ إضافة إلى عدم وجود سياسة إفصاح مالية في مراكز البحوث والكراسي البحثية، وكذلك الفساد المتعلق بالمناقلات بين البنود إضافة إلى الفساد المتعلق بنظام المنافسات والمشتريات الحكومية، وأما البذخ والإسراف والتبذير على إقامة الحفلات والندوات والمؤتمرات والكشتات!! عفوًا السفريات فحدث ولا حرج، إلى غير ذلك من ألوان الفساد الإداري والمالي والأكاديمي الذي لا يتسع المجال لذكره.
كلمة شكر وتقدير:
ما تقوم به هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من جهود في الكشف عن بؤر الفساد وملاحقة المفسدين في شتى المجالات، وبغض النظر عن المناصب والمكانة الاجتماعية للمتورطين في وحل الفساد، هي بالفعل جهود جبارة تستحق أن تذكر فتشكر وخالص الدعاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- على الدعم الكبير والمتابعة الدائمة لهذا الجهاز الرقابي العظيم الذي يضرب بيدٍ من حديد من أجل تجفيف منابع الفساد.
———————————– ——-
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة