سأتعرض في هذا المقال لمفهوم الحوكمة الذي طالما سمعناه كثيرًا، وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، واعتمدت عليه بعض الجهات المنظمة والداعمين من حيث درجته وضبطه، وهذا المفهوم ليس ببعيد عن ممارساتنا وتعاملاتنا النابعة من شريعتنا الغرّاء، وقد أعاد هذا المفهوم ترتيب الأوراق وحكّمها، سواءٌ في المنظمات الحكومية أو الخاصة أو غير الربحية.
هذا المفهوم يقوم على بعض العمليات والإجراءات والخطوات والتساؤلات التي توصلنا في النهاية إلى معرفة شاملة عن المنظمة واتجاهاتها والقائمين عليها، وكيفية إدارتها وإدارة المال فيها، والتأكد من أهلية وشرعية المسؤولين فيها وتحقيقهم لمبادئ هذا المفهوم الرائع، والذي يتكون من عدة مبادئ أهمها:
1/ الانضباط: ويقصد به اتباع مختلف الأطراف في المنظمة للسلوك الأخلاقي في مهامه.
2/ العدالة: ويقصد بها إعطاء كل ذي حق من أصحاب المصلحة والأطراف ذات العلاقة حقَه من المساءلة والشفافية والمشاركة في اتخاذ القرارات.
3/ المسؤولية: ويقصد بها الجمعية العمومية ومجلس الإدارة، مسؤولون قانونيًا عن القرارات التي تصدر في الجمعية، ولذلك تهدف أنظمة الحوكمة إلى رفع الحس بالمسؤولية لدى كل عضو مما يدفعه للعمل بإخلاص وتفانٍ لمصلحة المنظمة.
4/ الشفافية: ويقصد بها توفير ومشاركة المعلومات والتقارير الدقيقة والحديثة مع الجميع دون غموض أو تضليل.
5/ المساءلة: ويقصد بها أنظمة الحوكمة في المنظمات، حيث إنه يجب أن تضمن لأصحاب المصلحة والأطراف ذات العلاقة حق مساءلة الجمعية العمومية ومجلس الإدارة كل بحسب اختصاصه في أداء المنظمات.
هذا المفهوم ينبغي على كل ذي عقل استيعابه بحسب ما يستطيعه وما يود معرفته؛ لأن به يُحدد مدى الثقة والمصداقية لدى المنظمات.
نحن نتحدث عن الحوكمة، وهي ببساطة تعدُ إحدى الوسائل وأهمها للتأكد من جاهزية وموثوقية المنظمات في المعايير الثلاثة:
1- الامتثال والالتزام: إن التزام المنظمات بمعايير الامتثال والالتزام في الأنظمة واللوائح التنفيذية، وكذلك نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، ونظام مكافحة غسل الأموال، وكذلك مدى التزامها بمبادئ وممارسات الحوكمة الرشيدة، ومدى فاعلية أعضاء الجمعية العمومية وأعضاء مجلس الإدارة وقيامهم بالأدوار المطلوبة منهم؛ قد عزز من ثقة الدولة في هذه المنظمات.
2- الشفافية والإفصاح: وذلك بالإفصاح عن أنشطتها من خلال نشر القوائم المالية، ونشر أسماء القائمين على المنظمات من أعضاء مجلس الإدارة والتنفيذيين عبر موقعها الإلكتروني، بالإضافة إلى نشرها للإنجازات التي حققتها عبر التقرير السنوي.
3- السلامة المالية: يؤكد لنا هذا المعيار مدى التزام المنظمات بمعيار السلامة المالية في إنفاق المال، والتأكد من أن نسبة النفقات الإدارية والتشغيلية لها تقع في النطاق المقبول، إضافة إلى قياس مستوى استدامتها ومدى قوة التنظيم المالي الداخلي.
الحوكمة ببساطة تقوم على محكمين أكفاء مؤهلين ومعتمدين يقومون بهذه العملية؛ بهدف الاطمئنان على سلامة إجراءات ونظم وعمليات المنظمة، وأيضًا يساهم في تطوير المنظمة وتحسينها.
سعت حكومتنا الرشيدة بالمملكة العربية السعودية جاهدة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وفق الرؤية الطموحة رؤية 2030م في تنمية هذا البلد من خلال عدة مقومات من أهمها المنظمات وما تقدمه من خدمات مختلفة، بل سهلت ودعمت القطاعات كافة وجعلت تسهيلات في استحداث وإنشاء منظمات في مجالات عديدة، ولم يكتفِ دورها في الإنشاء فحسب، بل هناك أدوار تالية لضمان أن هذه المنظمات تتجه في المسارات الصحيحة، وهنا حديثنا عن الحوكمة.
الحوكمة ببساطة حافظت على المنظمات وساعدتها في الظهور بشكل يليق بها ويجعلها تمارس أعمالها بكل وضوح وشفافية.
الحوكمة ببساطة ومن خلال عمليات المراقبة المستمرة والتوجيه المستمر ساعدت المنظمات على اتخاذ قرارات رشيدة.
الحوكمة وتطبيقها تعد مصدرًا من مصادر القوة، بها تتمكن المنظمات وتعمل، وبها تصل المنظمات إلى الاستدامة في جميع جوانبها، وبها يصبح لدى المنظمة أكفّاءٌ مسؤولون.
نحن في زمن العمل بالحوكمة في المنظمات بشكل مقصود، والتقيد بالحوكمة وممارساتها يحقق فوائد ومنافع لكل الأطراف المعنية (الوزارات المشرفة – المانحون – المستفيدون – عموم المجتمع وغيرهم).
الحوكمة ببساطة وكأنها تقول للمنظمات: اعملوا ووثقوا وفي الوقت نفسه تقول للمجتمع بكل أطيافه شاهدوا وتحققوا.
هذا المفهوم ينطبق عليه المثل “الكتاب واضحٌ من عنوانه”، أقول المنظمات واضحةٌ من حوكمتها.
———————————
– باحث ماجستير في إدارة المنظمات غير الربحية بجامعة حائلباحث ماجستير في إدارة المنظمات غير الربحية بجامعة حائل
– مدير وحدة التطوير بجمعية زمزم للخدمات الصحية التطوعية الخيرية