المقدمة
يجب أن نستفيد من تراثنا العربي الإسلامي ، بما في ذلك القيم والفوائد الإنسانية النبيلة ، من تنمية إحساس أجيالنا المعاصرة بالاستقلال الفكري في التعليم والعودة إلى تراثنا الإسلامي لبناء قاعدة في الأفكار التربوية والفلسفية من روافده. الرؤية وما تركه لنا الاسم بعد التحقق هو دعم واضح لمستقبل أجيالنا. المسلم مما يقتضي دراسة معمقة لتراثنا الفكري والتفكير في تجمعاته. مصلحة الأمة في نتاجها الفكري الموروث هو الناتج العلمي للثقافة الإسلامية. في بحثنا الحالي الذي يتضمن مناقشة لأهم العوامل والقوى والمكونات المؤثرة في حركة الفكر التربوي الإسلامي عبر تاريخ الإسلام ، سواء العامل الديني ، العامل الاجتماعي ، العامل الجغرافي ، العامل الاقتصادي ، العامل السياسي والعامل اللغوي.(علي,. 1978)
الفكر بشكل عام وعبر العصور التاريخية هو تعبير عن واقع اجتماعي ، وفي نفس الوقت هو أداة للتعبير عن هذا الواقع. تمثل الأفكار ككل الخطط والتدابير المتوقعة ويتم اختبارها على أساس التغييرات في الجوانب السلوكية والبيئية. يمثل الفكر التربوي جزءًا من نتاج الفكر الإنساني العام المتراكم عبر مختلف الأعمار. تؤدي مهام تربوية متعددة ، ورسالة فلسفة التربية ترتكز على افتراضات أساسية تساعد على تنظيم هذا الفكر ، لذا فهي تقع على عاتق العاملين في مجال الفكر التربوي للبحث عن الأسس والجذور التي وجدتها ، وبناءً عليه ، تساعد الدراسة بعد الماضي على فهم أبعاد العملية التعليمية ؛ لأن الحضارة التي يعيشها الإنسان في الوقت الحاضر تمثل التراث المتراكم الذي يستفيد من ذلك التراث الذي انتقل إلينا عبر العصور من جيل إلى جيل من خلال عملية التعليم. تضمن الدين الإسلامي الصحيح فكرًا تربويًا متكاملاً ومتناغمًا ، وعبر عن واقع إنساني في إطار شمل جميع جوانب الحياة ، التي حملها العرب والمسلمون كتراث فكري حضاري ، يشكل الفكر التربوي جانبًا مهمًا منه. يتم ذلك من خلال المهام والمستويات التي يطمح إليها التعليم العربي الإسلامي اليوم.(النجيحي,.1967)
تكمن أهمية البحث الحالي في حقيقة أن كل نظام تعليمي – مهما كانت روحه الخاصة وضميره الخاص ينبع من إدراك الناس لطبيعة الكون والإنسان والحياة ، أو ما تنتجه ظروفهم التاريخية والسياسية وتحددها. الثقافات والتراث الثقافي والنظرة الفلسفية للقيم والمعرفة والكون. تمثل الحضارات وعاء الفكر التربوي مهما كانت. طبيعتها واتجاهها في نفس الوقت هي أداة الحضارة ووسيلتها لتخليد نفسها ، والتي لا تلغي فعل التربية وفلسفتها. إن أول ما ينضج في الشرق عامة وفي منطقتنا العربية بشكل خاص هو الفكر التربوي الذي أدرج في حضارة مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين والجزيرة العربية ، مهد الرسالات السماوية. ثم ظهور الحضارة العربية الإسلامية التي استوعبتهم جميعًا من خلال الدين الإسلامي ، والتي أنتجت فكرًا متكاملًا ومتناغمًا ومعبريًا لواقع إنساني في إطار شمل جميع جسيمات الحياة وما بعدها.
والفكر بهذه الإحاطة الشاملة هو تعبير عن واقع اجتماعي معين ولذلك ليس غريبا أن يأتي انتساب الفكر إلى البيئة الاجتماعية التي نشا فيها كان نقول : الفكر العربي نسبة إلى ما أنتجه علماء العرب من فكر في مجال ما أو في تخصص ما أو الفكر الأوروبي في العصور الحديثة وهكذا ..(أبولاوي, 1999)
والفكر إذا كان تعبيرا عن واقع اجتماعي فانه في الوقت ذاته أداة لتغيير هذا الواقع أيضا فالفلاسفة والمصلحون قد غيروا بأفكارهم الأوضاع الاجتماعية التي كانت تعاني منها مجتمعاتهم والرسل والأنبياء بما حملوه من أفكار مستمدة من الرسالات السماوية فقد تمكنوا من تغيير مجتمعاتهم إلى الأفضل والأرقى والاسمي .
وترتيبا على ذلك فالفكر التربوي ” هو ما أبدعته عقول الفلاسفة والمربين عبر التاريخ فيما يخص مجال التعلم الإنساني وتنمية الشخصية وشحذ قدراتها ويتضمن : النظريات والمفاهيم والآراء التي وجهت عملية تربية الإنسان عبر العصور ” ومن الطبيعي أن يتأثر الفكر التربوي بمجموعة من القوى والعوامل التي أنتجته وأحاطت به وكذلك بشخصية المفكر ذاته من حيث تكوينه العقلي والنفسي وموقفه من الطبيعة الإنسانية ومن القيم ومن الدور الذي يمكن أن تقوم به التربية حيال التقدم الفردي والاجتماعي .
وعلى ذلك فكون ( تطوير الفكر التربوي ) إنما هو رصد وتتبع لحركة الفكر الموجهة للتربية على مدى عصور التاريخ الإنساني فيفترض هذا أن هذه الحركة تحمل في طياتها سمات التقدم والنضج والنماء فالمدرسة اليوم لن تكون هي مدرسة العصور الوسطى أو المدرسة في العصور القديمة ومعلم اليوم الذي يستخدم التقنيات الحديثة مغاير في أدواره وشخصيته لمعلم الكتاب الذي كان يعتمد طرق التلقين والتعليم من الخبرة المباشرة .(الخطيب, 1995)
التربية: يُعرَّف التعليم بأنه “تنمية الوظائف الجسدية والعقلية والأخلاقية حتى تصل إلى كمالها من خلال التدريب والتعليم ، ووفقًا لعلماء التربية ، فهي تعني نمو الإنسان من خلال الخبرة المكتسبة من مواقف الحياة يقصد بالنمو اكتساب خبرات جديدة متصلة ومرتبطة ارتباطاً معيناً لتكون نمطاً خاصاً بشخصية الفرد وتوجهه إلى المزيد من النمو ليتحقق بذلك أفضل توافق بين الفرد وبيئته المختلفة.
التربية الإسلامية: تعرّف بأنها “المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عدداً من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك الفرد سلوكاً يتفق مع عقيدة الإسلام ويمكن تعريفها من خلال الربط بين مفهوم التربية ومفهوم الإسلام بأنها “إحداث تغيير في سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه من وجهة نظر الإسلام”)(أبولاوي, 1999)
مفهوم الفكر:إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول، وفَكَر في الأمر فَكراً أعمل العقل فيه، ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول، وأفكر في الأمر: فَكَر فيه فهو مُفكَّر.
فكر في الأمر: مبالغة في فكر، وهو أشيع في الاستعمال من فكر، وفكّر في المشكلة: أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها فهو مفكر. و الفكر هو فعل إنسانى يقوم على الإدراك والتأمل والإستنتاج والقدرة على الإختيار فى
المسائل والمشكلات بعد الملاحظة والقياس أو مجرد التأمل.
الفكر التربوي: ويقصد به الآراء والتصورات والمبادئ التي قدمها علماء التربية أو النظرية التربوية كما يتصورها علماء التربية فالفكر التربوي هو “ما أبدعته عقول الفلاسفة والمربين عبر التاريخ فيما يخص مجال التعليم الإنساني, وتنمية الشخصية وشحذ قدرتها ويتضمن النظريات والمفاهيم والقيم والآراء التي وجهت عملية تربية الإنسان.(أبولاوي, 1999)
الفكر التربوي الإسلامي: وهو عبارة عن مجموعة الآراء والأفكار والنظريات التي احتوتها دراسات الفقهاء والفلاسفة والعلماء المسلمين وتتصل اتصالاً مباشراً بالقضاء والمشكلات التربوية .
أهم القوى و العوامل والمقومات الدينية المؤثرة في حركة الفكر التربوي الإسلامي
سبق أن المحنا إلى أن الفكر التربوي يتأثر في حركته واتجاهه بمجموعة من القوى والعوامل والمؤثرات تباشر تأثيرها على المفكر وهناك من علماء الفكر التربوي والتربية المقارنة المحدثين من أمثال (كاندل , نيقولا هانز ) وغيرهم من يرى أن شخصية الأمة هي نتيجة تفاعل العوامل التاريخية والجغرافية والدينية واللغوية والسلالية ولا بد للنظم التعليمية أن تتأثر بهذه العوامل ولقد توصل هانز إلى ثلاث مجموعات من العوالم كان لها دور في تحديد نظم التربية والتعليم التي درسها .
الدين من أهم العناصر التي تشكل ثقافة المجتمعات وتحدد قيم ومفاهيم الأفراد فيه أوانماط تفكيرهم وعاداتهم وتقاليدهم ووجهة نظرهم إزاء الحياة والكون والوجود
وتوضح دراسة الفكر التربوي مدى تأثر آراء المفكرين والمربين وبالتالي النظم التربوية بالعامل الديني حدث هذا في أوروبا المسيحية وفي الشرق الإسلامي بل حتى الديانات والمذاهب الوضعية كالبوذية والكونفوشسية وغيرها كان لها تأثيرها في توجيه حركة الفكر التربوي في البلاد التي ظهرت فيها (الخطيب, 1995)
ويبدو تاثير الدين الاسلايمي التربية جليا في تشكيل أفكار علماء التربية في البلاد الإسلامية إذ أن العقيدة الإسلامية تعد (الإطار المرجعي) الذي يعتمده أي مفكر في التربية الإسلامية وإذا قلنا هذا فان أهم ما يترتب عليه هوالاقرار بذلك الترابط الوثيق بين العقيدة الدينية وبين التربية والعقيدة الدينية مردها إلى مصدري التشريع : الكتاب والسنة وعلى هدي هذين المصدرين جاءت اجتهادات المربين وأراء المفكرين في قضايا ومشكلات وتعليم
يختلف الدين الإسلامي عن سائر الأديان الأخرى في ارتباطه بأمور الحياة البشرية العامة والخاصة ، فحياة المجتمع الإسلامي محكومة بشريعة الله وافراده خاضعون مستسلمون لإرادة ربهم، فدين الاسلام هو من ينظم الحكم والسياسة ، والحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتربوية والعسكرية، على مستوى الفرد والمجتمع ضمن نظام اعم واشمل تنتظم فيه جميع أجزاء الكون قاطبة .
فالإسلام يركز على عملية الاعداد هذه ويهتم بها مصداقا لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) “كل مولود يولد على الفطرة ، وانما ابواه من يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” فالدين يقف في مقدمة العوامل التي تؤثر في بناء الفكر التربوي لأي مجتمع كان، ومن هذا المنطلق كان لزاما على الباحث أن يتناول مفهوم الدين ودلالته اللغوية وتأثيره في بناء الفكر التربوي.(النجيحي,.1967)
توصف حياة العرب قبل الاسلام بالجاهلية ، وهذه الجاهلية لها مظهران هما :(أبولاوي, 1999)
- الجهل بالقراءة والكتابة، اذا لم يكن لديهم مدارس او تعليم بالمعنى الصحيح وكان اللذين يستطيعون القراءة والكتابة قله بينهم وان كان لهم بعض المعارف ، مثل :معرفة ،النجوم، والأنواء ،والرياح، والكهانة، والفراسة، وغيرها .
- الجهل بالدين ، فقد كانت دياناتهم تتخذ اكثر من شكل من اشكال الوثنية فمنهم من عبد الأصنام على انها تماثيل للملائكة التي هي بنات الله ومنهم من عبد الجن، ومنهم من عبد الكواكب والنجوم، مثل: الشمس، والقمر، والنجم الشعري، والمشتري، وعطارد، وغيرها
يؤثر الدين الإسلامي في بناء الفكر التربوي الإسلامي من منطلق الإنسان المسلم يعتقد يقينا إن كل ما يصدر عنه في جميع أحواله ، خاضع لرب العالمين ، فالدين نظام للحياة ، يذعن فيه الفرد لسلطة خالقه ، ويتصدر في حياته كلها بالمبادئ التي جاء بها الوحي فالدين الإسلامي بهذا المفهوم لابد وان يكون هو الأساس الذي تبنى عليه النظرية التربوية ، ولا يخلو جانب من جوانب هذه النظرية من تأثير الدين فيه . فتأثير الدين في بناء الفكر التربوي يكون من ناحية مراعاة السياسة التربوية وعدم الخروج عن مقتضى العبودية لله سبحانه وتعالى ومخافة شريعته ومراعاة المقاصد الشرعية للدين الإسلامي التي تدور حول حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل ، والتي هي في حقيقتها ضرورات الحياة ، وبذلك يفرض على السياسات التربوية إن تتضمن الأحكام التربوية التي تؤدي إلى تحقيق وحفظ مصالح الأفراد والمجتمع ومنع الاحكام التربوية التي تضر بالمسلمين ، افرادا وجماعات . فالمجتهد التربوي المسلم ،وهو يضع اجتهاداته التربوية ، ينطلق من فلسفة الدين الإسلامي وتصوره للالوهية والكون والحياة والانسان ويراعي في اجتهاده متطلبات ومصالح مجتمعه الإسلامي الفردية والمجتمعية(علي,. 1978)
أهم القوى و العوامل والمقومات الاجتماعية، المؤثرة في حركة الفكر التربوي الإسلامي
يعتبر التعليم مهمًا في السياسة لأنه يؤثر على المجتمع ونظامه السياسي لأن التعليم يؤثر على الإنسان لأن التعليم يستخدمه المجتمع لتحقيق الأهداف والغايات السياسية.
1 – مفهوم المواطنة يعني نوعية القيم والحقوق والواجبات التي يجب أن يكتسبها الفرد.
2- مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو الجنس.
3- مفهوم الحراك الاجتماعي والتوجه السياسي الذي يتضمنه لتحفيز شرائح المجتمع.
4- مفهوم الديمقراطية في التعليم في تحديد حرية التدريب ونقصد بها هنا بيان كيف تشكلت التربية العربية الإسلامية وفقا الاحتياجات الناس ومتطلباتهم في الحياة الدنيا والآخرة، ففضلا عما اجتمع في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم من صفات أهلته کي يقود عملية إعادة صياغة شخصية الإنسان العربي مما جعله وبحق المربي الأول، إلا أنه اعتمد كذلك في سيبل هذا على مجموعة من الأعوان كان لا بد من أن يتسلحوا بمختلف المهارات التي لزمت في ذلك الوقت لأحداث التغيير الجذري في المجتمع بصفة عامة، والمواطن بصفة خاصة. ومجمل هذه المهارات أو الصفات هي أن يكون: محاربا-عابدا-عالما. وكان يطلق على مجموعة المربين الأول اسم (القراء).
وقد كان هؤلاء القراء المستنيرون الذين بادروا بالانضمام إلى الدين الجديد متخلين في بعض الحالات عن طبقتهم (مصعب بن عمير فروة بن مسبك) يعيدون إلى الذهن ما يلحظ في الثورات الكبرى من ظاهرة تخلي بعض المثقفين عن طبقائهم، وما يربطهم إليها من مصالح، وانضمامهم إلى الثورات، ومكابدتهم أحوالها، وعملهم المخلص على إنجاحها و ذلك بأن المثقف الحقيقي يكون عادة شخصا تقدميا، يؤمن بالتطور، ويعمل له، ويساعد عليه، ويضحي من أجله.(الخطيب, 1995)
وكان الإسلام ثورة تعمل على تغيير المجتمع وتطويره اقتصاديا وطيقيا وسياسيا ودينيا طبقا لأنظمة وعلاقات ومبادئ وعقائد جاء بها الوحي الإلهي حلا لصور التردي الحادة التي كانت تعتمل في كيان المجتمع العربي خاصة، والإنساني عامة حينذاك. وكان سهلا على (القارئ)۔ المعلم بفضل ثقافته ومرونته العقلية وسعة أفقه، أن يستجيب لهذه الثورة ويهضمها، ويدرك أنها السبيل السليم لإصلاح المجتمع، ولمس النبي عليه الصلاة والسلام في القراء هذه النزعة التقدمية، والإخلاص للدين الجديد، إلى جانب التفوق الثقافي، فاتخذ منهم طليعة فكرية يدعون للثورة، يبشرون بها ويقرئون کتابها، ويلقنون تعاليمها . فكيف قام هؤلاء المربون الأول بهذه
كان على الفرد إذا أسلم أن يحفظ شيئا من القرآن، ويتعلم كيف يصلي ويصوم ويؤدي الزكاة، ويعرف ماذا يحل له وماذا يحرم عليه، أي كان عليه أن يعدل من سلوكه في كل من المجال الغذائي والجنسي والفكري والإجتماعي بحيث يصبح مطابقا للمقاييس التي يحددها الدين الجديد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى بنفسه هذا الجانب الهام من الثورة، ويتر المسلمين الجدد القرآن ويعلمهم الدين، فلما زاد عدد المسلمين، وتباعدت أماكنهم، لم يجد النبي أكفأ من القراء المعلمين يمثلونه وينوبون عنه في ممارسة ذلك العمل الخطير الذي لم يكن شيئا آخر سوى إعادة بناء شخصية الفرد العربي، وإعادة تخطيط المجتمع العربي في وقت واحد
وأن إعادة استقراء بعض الكتابات والمواقف التي أكدت على أهمية العمل وضرورته تبين لنا أنه كان من أجل المجتمع، بحيث تسقط تلك الدعوى التي يتصور فيها البعض أن العلم في التربية الإسلامية يطلب لذاته فقط، ومن أجل هدف أخروي فقط، ولنضع أمامنا هذا النص للعامري أحد مفلسفة الإسلام في القرن الرابع الهجري في نيسابور
إن كل من أثر لنفسه هذه العقيدة، فقد ارتكب خطأ فاحشا، فإن العلم ميدا للعمل، والعمل تمام العلم، ولا يرغب في العلوم الفاضلة إلا لأجل الأعمال الصالحة، ولو جعل الله الجبلة البشرية مقصورة على تحصيل العلم دون تقديم العمل، لكانت القوة العملية إما فضلا زائدا، وإما تبعا عارضا، ولو أنها كانت كذلك، لما كان عدمها ليخل في عمارة البلاد وسياسة العباده.
وهكذا يتضح أن الزعم بأن تحصيل المعرفة وحده يكفي باطل، وإلا لما أثر ذلك على حركة العمران ونشاط السكان، والواقع يشهد بخلاف ذلك، قالتخلف العلمي يستلزم التخلف الحضاري لأن إصلاح المجتمع في هذه الحالة سوف يسند إلى الجهلاء الأنبياء، ومن أجل ذلك يحتر العامري من خطورة فصل العلم عن العمل فيقول كلا، إن توهم هذا، يؤدي إلى تقويض الأعمال الصالحة بأسرها إلى ذوي الجهل و الغباوة، ولو جعل الأمر كذلك الوجدت الطبيعة الإنسية عند إقامتها الأعمال الصالحة مستغنية عن العلوم الحقيقية.
ومن هنا نظر ابن خلدون إلى التعليم باعتباره (صنعة من الصنائع، أو كما نعبر نحن في أيامنا هذه افتا زمن الفنون العملية التي لا يمكن أن يقف الإنسان فيها عند حد العلم، بل لا بد من الممارسة والتدريب حتى يكتسب المهارة المطلوبة، والتعليم بطبيعة الحال عندما يتجاوز مجرد العلم إلى (الفن) و (المهارة)، تتضح إمكاناته في التغيير والتطوير والإصلاح، يقول ابن خلدون
والتعليم للعلم من جملة الصنائع، وذلك أن الحنق في العلم والتفنن فيه والإستيلاء عليه، إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله، وما لم تحصل هذه الملكة، لم يكن الحذق في ذلك المتناول حاصلا، وهذه الملكة في غير الفهم والوعيه.(النجيحي,.1967)
ومن أبرز الإتجاهات الإجتماعية في الفكر التربوي العربي الإسلامي، تلك الفكرة التقدمية التي نادى بها (القابسي) عن ضرورة (الإلزام) في التعليم، فالذين قصروا التعليم على طبقة معينة، وحرموا أغلب الشعب من نعمة المعرفة، إنما كانوا ينظرون إلى مصلحة طبقتهم لينعموا بالسلطان والثروة والجاه، لأن العلم يفتق الأذهان، ويبصر الإنسان بحقوقه وواجباته ويدفعه إلى المطالبة بهما، وحرمان فريق من الناس التعليم، هو القتل الأدبي، لأنك تقبر العقول، ونطمس الأذهان، ولعل هذه العقول إذا زالت عنها غشاوة الجهل أن تتفتق عن الخير والحق، والعمل الصالح للإنسانية بما لا يستطيع أن يفعله الأغنياء (
وقد عادت الدول الإسلامية إلى نوع من الأرستقراطية الحادة، خصوصا في العصور المتأخرة، حيث انطوت الطبقة الرفيعة على نفسها، وعلت على العامة علوا كبيرا، ولم يكن الحال كذلك في صدر الإسلام. ولا تتفق هذه النزعة مع الروح الصحيح للإسلام. الدليل على هذه الأرستقراطية، هو اتخاذ الأمراء ومن شاكلهم من المؤدبين لأبنائهم حتى لا يختلطوا بأبناء العامة في الكتاتيب، وقد أشار الجاحظ إلى ذلك في البيان والتبيين عند تقسيم المعلمين قسمين، فما يعلم أبناء الملوك والأمراء، وقسما يعلم أبناء السوقة، وأشار ابن سينا في كتاب السياسة إلى هذه النزعة أيضا، فلم بقرها، وأثر، لمصلحة التعليم وفائدة الطفل، أن يشترك مع غيره من الصبيان.
وبناء علي ما تم عرضة يتضح لنا كيف تطورت حركة الفكر و ما هي المقاومات والعوامل التي ساعدتها في الانتشار و الازدهار عبر العصور المختلفة وهذا ان يدل علي شي يدل علي عظمة الفكر التربوي الاسلامي.(الخطيب, 1995)
أهم القوى و العوامل والمقومات الجغرافية المؤثرة في حركة الفكر التربوي الإسلامي
العامل الجغرافي الارض هي الاطار الطبيعي لحياة البشر ونشاطهم ويختلف اثرها على الفكر من اراضي جبلية الى سهلية
تؤثر الجغرافيا على طريقة الفكر التربوي وعلى صور وأنماط نظم التعليم وتصميم المدارس بل أن حالة الجو والمناخ لها تأثير على دافعية التلاميذ وتعلقهم بقيمة التعليم .(الخطيب, 1995)
الأرض هي الإطار الطبيعي لحياة البشر ونشاط الجماعات وطبيعة الأرض لها تأثير كبير على طبائع الأفراد وخصائص الجماعات فالشعوب التي تقطن المناطق الجبلية الوعرة تتميز بصفات وخصائص تجعلها تختلف عن الشعوب التي تسكن المناطق الواطئة السهلة كذلك تختلف طبائع وخصائص البدو الذين يعيشون في الصحراء عن الفلاحين الذين يعملون بالزراعة ويسكنون جنب الماء كما يختلف سكان الحضر حيث يعيشون في ظروف حضارية متميزة بكثافة
السكان وخصائص صناعية في الإنتاج والاستهلاك عن سكان الريف الذين يعيشون متفرقين تسودهم علاقات اجتماعية بسيطة ومباشرة ويعملون في الزراعة أو الحرف البسطة وهناك من يقول أن المناخ له أثره الكبير على صفات وخصائص الشعوب .
وكما تؤثر الجغرافيا أو البيئة الطبيعية على طبائع الشعوب فهي تؤثر أيضا على أسلوب وطريقة التفكير التربوي وعلى صور وأنماط نظم التعليم , وعلى شكل وتصميم المباني المدرسية بل أن حالة الجو والمناخ لها تأثيرها على دافعية التلاميذ وتعلقهم بقيمة التعليم والمثابرة على تحصيله .
والذي يراجع الفكر التربوي عند فلاسفة اليونان القدامى وكذلك مفكري الشرق الإسلامي وغيرهم يجد صلة واضحة بين مضمون هذا الفكر وبين الطبيعة الجغرافية التي أحاطت به.(أبولاوي, 1999)
أهم القوى و العوامل والمقومات الاقتصادية والسياسية المؤثرة في حركة الفكر التربوي الإسلامي
ان الأوضاع السياسية، ومظاهر الحضارة التي تعيشها بلد ما أو دولة في حقبة زمنية محددة لابد وأن تكون لها بالغ الأثر في تكوين الفكر التربوي.
انتقلت عاصمة الدولة الإسلامية من دمشق إلى بغداد، التي كانت قريبة من الفرس، فأخذ العباسيون عن الفرس نظام الوزارة، وقلدوهم في أنظمة الحكم والزي والملبس.
ونجد أن حكم الدولة الإسلامية في القرن الثاني الهجري كان العصر العباسي الأول تقريبا من 132 سنة إلى سنة 218 والذي انتهى بوفاة الخليفة المأمون، أي أنه استمر 86 سنة، أما العصر العباسي الثاني والذي بدأ تقريبا مع بداية القرن الثالث الهجري بتولي المعتصم الخلافة سنة 218ه، والذي تفككت فيه الدولة الإسلامية وانقسمت إلى دويلات كالحمدانية في دمشق، والفاطمية في مصر، والبويهية في العراق، السامانية في فارس، كما وظهرت عدة ثورات وفتن كفتنة القرامطة التي قتل فيها خلق كثير، وظهور المعتزلة والشيعة وتأييد بعض الحكام لا مما تسا في خلق الصراعات بين المذاهب.
كانت الحياة الاجتماعية في القرنين الثاني والثالث الهجري بشكل عام حياة ترف ونعيم بجميع طبقاته .(الخطيب, 1995)
أن طبقة الحكام والخلفاء كانوا يجزلون العطاء للعلماء والأدباء مما ساعد على ازدهار الحركة العلمية آنذاك، وكذلك مزاولتهم لوسائل الترفيه مثل سباق الخيل، وسباق الحمام الزاجل، ولعبة الصولجان، والشطرنج، والنرد، وصيد الغزلان والطيور، أما طبقة العامة فقد عاشت على تحمل الشقاء وأعباء الحياة البائسة، وحياتهم الترفيهية كانت قائمة على الاستماع إلى القصص والحكايات الشعبية، وتداول الأساطير والأخبار، وقد تولدت من هذه المجالس حکایات مشهورة مثل ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية.
يعتبر العامل الاقتصادي مؤثراً في مجالات العمل والإنتاج ، وبالتالي فهو يؤثر على تكوين الفكر التربوي.
– المجتمعات البدائية: التي تعتمد على الصيد والرعي ولا تحتاج لأنظمة تعليم متطورة ولا توجد مؤسسات تربوية لكنها تعتمد على التعليم من الأفراد والخبرة التي تتوارثها الأجيال داخل الأسرة مباشرة للانخراط في العمل البدائي.
المجتمعات الزراعية:
أنت بحاجة إلى جودة التعليم الموجه إلى التعليم من حيث النشاط الزراعي.
الجمعيات الصناعية:
تزداد حاجتها إلى تعليم متخصص قائم على تعلم المهارات عندما يزداد التقدم الصناعي نتيجة لاستخدام العلم.(علي,. 1978)
أهم القوى و العوامل والمقومات اللغوية المؤثرة في حركة الفكر التربوي الإسلامي
اللغة هي الرابط الأهم بين الفرد والأفراد الآخرين في المجتمع لأنها لغة الفهم ونقل الأفكار من الأجداد إلى الأحفاد.
– لذلك فهو نوع من الوحدة الفكرية والعاطفية للأفراد في المجتمع ، وبالتالي يصبح التعليم أداة المجتمع.
تأثير اللغة على الفكر التربوي:
1 – قوة واستمرار الأفكار التربوية تعتمد على عامل اللغة.
2- تصاغ المفاهيم والأهداف التربوية بنفس لغة المجتمع.
3- العديد من المعتقدات مبنية على اللغة.• ان المفاهيم و الاهداف التي نادى بها المفكرون والفلاسفة صيغت بلغة وجدت قبولا ورواجا من ابناء المجتمع
قوة الافكار التربوية واستمراريتها تتوقف على عامل اللغة يقول ابن خلدون : ان اللغةالتي تسود في ثقافة المجتمع هي لغة الغالب والتي تتوارى وتندثر لغة المغلوب.
كثير من توجهات الفكر الفكر التربوي عبرالتاريخ اعتمدت على تاثير اللغة ( الفكر التربوي الاسلامي )(الخطيب, 1995)
ان العامل الاقتصادي يتعلق بنوعية الانشطة التي يمارسها السكان والمجتمعات البدائية لاتحتاج الى نظم متقدمة للتعليم وانما تحتاج الى اعداد الفرد لمزاولة جميع الاعمال التي تتطلبها الحياة البدائية
المجتمعات الزراعية تحتاج الى مستويات معينة من التعليم موجهة ناحية النشاط الزراعي بالاضافة الي المجتمعات الصناعية تزداد حاجتها الى التعليم المتخصص القائم على تعلم مهارات تقنية.
ان علاقة الفرد بالمجتمع – موقف يتاثر به المفكر وينعكس في اراءه التربوية في اسبرطة في اليونان مثلا كانوا يمجدون الدولة ويسخرون قوتهم لبناء قوتها الحربية و في اثينا كان الفكر يؤمن بالديمقراطية واحترام الفرد.
عرف افلاطون المجتمع العامل بانه المجتمع الذي يفعل افراده بمواهبهم ومقدراتهم لاسعاد المجتمع بكامله و ساد نظام الطبقية في التعليم ( النبلاء والبرجوازية )
روسو ربط بين توافر نمط الديمقراطية والحرية في المجتمع وبين اتاحة فرص التعليم بطرق متكافئة ويغلب بعض اساتذة الفكر التربوي العوامل الاقتصادية على غيرها من العوامل في تشكيل الفكر في مراحله الاولية.
ان العامل الديني من اهم العوامل المؤثرة على الفكر بعد استيفاء الحاجات الاولية الاقتصادية
و ينتج الفكر التربوي من عوامل مختلفة تحفز عقل المفكر لكي يدلي بوجهة نظره فيما يخص الغاية من تربية الانسان.(أبولاوي, 1999)
المراجع :
أبولاوي, أمين. (1999) أصول التربية الإسلامية. الدمام. دار ابن الجوزي .
الخطيب, محمد ومصطفى متولي ونور الدين عبدالجواد ومحروس غبان وفتحية الفزاني. (1995). أصول التربية الإسلامية. الرياض: مكتبة الخريجي.
النجيحي, محمد . (1967). مقدمة في فلسفة التربية. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية .
علي, سعيد. (1978). أصول التربية الإسلامية. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.