عندما تبحث عن الاحتياجات الإنسانية، فإن عالم النفس الأمريكي “إبراهام ماسلو” سيعطيك الإجابة، في البدء، يحتاج الإنسان إلى إشباع رغباته الفسيولوجية، ثم الأمنية، مرورًا بالرغبات الاجتماعية، ليقف بك التدرج عند الحاجة إلى التقدير، ثم يمضي إلى الحاجة الذاتية في التميز والحاجة إلى التقدير ولذلك الدافع الطامح إلى إشباع رغبته والمتمركز حول “الأنا”؛ حيث تقترن حاجات تحقيق الذات اقترانًا وثيقًا بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور.
أنواع المشاهير: في هذا السياق، يذكر الدكتور “ميتش برينشتاين” أن الباحثين يُقسمون الشعبية إلى نوعين:
النوع الأول، وهي الشعبية القائمة على التفضيل الاجتماعي، أو المحبة والاحترام اللذين يلقاهما المرء نتيجة لتمتعه بشخصية جذابة و”كاريزما” لطيفة. والنوع الثاني، وهي الشعبية المتمحورة حول السمعة الاجتماعية، والتي يسعى من خلالها المرء لحيازة الإعجاب بصرف النظر عن كونه محبوبًا أم لا.
ويرى “برينشتاين” أن هذا النوع الأخير بات الأكثر انتشارًا في العالم، وهو آخذ في التزايد بصورة خطيرة، “ومقارنة بالعقود القليلة الماضية، أصبحت أهداف حياتنا اليوم تعكس رغبتنا في امتلاك المزيد من الممتلكات، والحصول على المزيد من القوة، والشعور بمكانتنا ونُفُوذِنا”.
الشهرة من منظور نفسي:
الرغبة في الشهرة -لدى البعض- قد تخفي إحباطًا أو اضطرابًا نفسيًا غير مشخص، كما تقدم الشهرة حلولًا مؤقتة للهروب من العزلة وإحباطات الحياة، سواء كان ذلك حقيقيًا أو بصورة متخيلة.
فكلما جمع الشخص المزيد من التقدير كلما شعر بالتعافي النفسي الداخلي بأنه شخص محبوب ومرغوب ومرحب به، فالشهرة تلعب دور الدرع المُحصِن للمشهور من الإحباط، إنها تصرح بأهميته لأي شخص يحاول أن يضعه جانبًا بل إن الشهرة تساعد على تهدئة الأصوات المنتقدة التي يتعرض عليها من خلال ردود أفعال المجتمع والتعليقات السلبية التي تطاله.
وسائل الإعلام وتحقيق شهرة المشهور
ويظهر ذلك بشكل واضح الدور الكبير والكبير جدًا الذي تحققه وسائل الإعلام
في صناعة الأحداث وإنتاج المشاهير، فأصبحت بذلك وسائل التواصل الاجتماعي زاخرة بالكثير من الأسماء المشهورة على اختلافها ما بين الذي يقدم المحتوى العلمي المعرفي الجاد والنادر، والذي يتفنن في تقديم المحتوى الفراغ التافه والمرضي أحيانًا.
فعلى جل مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، سناب شات، إنستغرام، تويتر، تيك توك) نجد صنّاع المحتوى في تسابق على أرقام المتابعين المقدرة بمئات الآلاف، وربما الملايين، والسبب تافه؛ فهذا يستعرض سذاجته فيحصد مئات ملايين المشاهدات بلا أي سبب منطقي لهذا، وهذا يتعمّد تصوير حياته الشخصية لحصد المتابعين، وذاك يسوق لأفكاره الغريبة، وآخر يصور محتوى ساخرًا عن يومياته وأسرته، وهذا يستعمل مقالب مفبركة، وآخر يقلد المعلقين الرياضيين، وإلى آخر تلك القائمة التافهة الطويلة..
وذلك نجد العرض المستمر في تقديم الذات على الآخرين لاجتلاب اهتمامهم والحصول على متابعاتهم اليومية، بصرف النظر عن المحتوى المقدم يدفعنا إلى التساؤل حول الأمر؟؟، إن هذه المواقع الاجتماعية كشفت ونفضت الغبار عن منظومتنا الاجتماعية الهشة بحيث أفرزت لنا عن الكثير من الأسئلة المهمة التي أصبحت تطرح نفسها بشدة على باحث اليوم.
إذآ كيف يمكن الحديث عن ظاهرة الشهرة في ظل الدور المباشر الذي تلعبه وسائل الإعلام في تفشي هذه الظاهرة؟ وهل يمكن القول بأن الشهرة المرضية مفهوم يخدم مصلحة المجتمع؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما هي التفسيرات العلمية خاصة منها السيكولوجية المقدمة في إطار هذا الطرح؟ وما دور الجمهور في إنتاج التفاهة وبروز المشاهير في عصر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والثورة في عالم الإنترنت، حيث بات حب الشهرة يستحوذ على كثير من البشر، والسعي نحو تحقيق أكبر قدر من الشعبية والانتشار، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
عرض الذات ومفهوم الشهرة
إن عرض الذات يمكن التعبير عنه بالسلوك الذي “يتوخى توصيل بعض المعلومات حول الذات أو بعض من صورة الذات إلى الآخرين، وهو ما لا يتم ” إلا إذا كان هناك من سيطلع على هذا العرض ومن سيقيمه. فحينها يتحرك المرء لعرض ذاته بدافعين رئيسيين، أولهما: هو إرضاء الجمهور، بمقارنة المعروض من الذات مع توقعات وتفضيلات الآخرين لينال إعجابهم وإثابتهم.
وثانيهما: هو إرضاء الذات نفسها، أو بمعنى أدق بناؤها، وذلك عن طريق مقارنة المرء لها (ذاته الفعلية) مع التصور النموذجي لديه عنها (ذاته المرجوة)، وهو ما يعرف بالذات المدركة والذات الاجتماعية فتراه يصدر للجمهور صورة الذات التي يود أن يكون عليها، لا ذاته التي هو عليها بالفعل، فترضى ذاته المدركة عن تلك الصورة المعروضة (الذات الاجتماعية) التي تجتذب الإعجاب، وكأنها هي في حقيقة الأمر.
الشهرة إحصائيات ووبائية الانتشار
بحسب أحد الأبحاث التي قام بها موقع “Mamsys”، فإن النتائج التي توصل لها خبراء الموقع تكشف حقيقة هذا الأمر، ففي عام 2017 فقط، كان معدل الدخول على موقع فيسبوك نحو. (900.000) في الدقيقة الواحدة، مقابل (46.200) صورة يتم تنزيلها على إنستغرام، و(452.000) تغريدة على تويتر، ونحو (4 ملايين) مشاهدة على يوتيوب في الدقيقة ذاتها.
يعني أن تكون مشهورًا يعني أن تكون نرجسيًا
نستنتج مما تقدم، أن نقول أن تكون مشهورًا يعني أننا بصدد احتمالين: أن تكون مستحقًا لذلك لما لديك من الإفادة أو الشخصية النافعة للمجتمع/ذات الكاريزما، وإما أن تكون ساعيًا للشهرة بلا أي رصيد معرفي يضيف إلى متابعيك أي شيء. لكن ماذا عن النرجسية؟ هل تدعم الشهرة النرجسية، أم نسعى نحن لها لكوننا نرجسيين؟
بداية، فيمكن تعريف النرجسية بأنها “سمة أو خصيصة شخصية تنطوي على رؤية الشخص لنفسه ككائن متفوق وأرفع مقاما ومنزلة. وهذه الشخصية تأتي مع الإحساس بالتخويل أو التفويض “استحق الأفضل، أي الميل لوضع الذات أولًا والاستخفاف برغبات وحاجات الآخرين و فرط تقدير الذات”.
حيث أثبتت العديد من الدراسات النفسية “وجود صلة مباشرة، بين الزيادة الحادة في تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية خلال عشر السنوات الأخيرة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي في كل مكان” ذلك فضلا عن تصنيف الباحثين لبعض السلوكيات، التي يتبعها رواد تلك الشبكات مثل السعي لاجتذاب مزيد من المتابعين، والظهور في صورة إيجابية أمامهم طوال الوقت، ومشاركة تفاصيل حياتهم معهم، ضمن صفات الشخصية النرجسية على وسائل التواصل.
الشهرة وإنتاج التفاهة وموقف المجتمع
لا أحد يمكن له أن يتنكر من واقع اليوم، ولا نستطيع تجاهل مرارة ما نعيشه، وتضبع المجتمع في موافقه الخجولة تجاه التافهين من دعم وتشجيع من خلال زيادة حصيلة مشاهداتهم وتعليقاتهم ورموز الإعجاب بالملايين فنحن نعيش في زمن التفاهة بامتياز، بحيث أصبح كافيًا أن ترفع فيديو على اليوتيوب، أو بتقنية البث المباشر على السناب شات، تتحدث فيه بكلام تسويقي أو ببلاهة لتصبح واحدًا من أكبر المشاهير بالخليج العربي بل والوطن العربي بأكمله، وتتسابق نحوك بعض المواقع الإخبارية والمنابر الإعلامية من أجل التسجيل معك ولو بمقابل مادي في عدة أحيان، لا لشيء سوى أنك تمثل لها مادة أو محتوى تسويقي مدر للدخل والمؤسف في الأمر أن الأمر يتطاول متجاوزًا الطبقة اللاواعية ليمتد إلى أهل الفكر والوعي والثقافة”؟؟؟