عام

تراتيل الوداع

عندما يكتب الرحيل قصيدته الأخيرة ؛ فاعلم أن الخطب جلل .. وأن الحروف نزفت حد الموت .. وأن حقول الياسمين قد ذبلت .. والأسوار آلت للسقوط.. والأنهار أعلنت الجفاف .. والأعشاب مالت للإصفرار ..
عندما يعلن الرحيل أن الأحبة قد وصلوا للمحطة الأخيرة .. وأن الروح قد علت للسماء ..عندها تعلم أن الحياة أخذت في الدوران ..وأن المسافات لم تعد كما كانت ..وأن كل شيء قد تغير وتبدل .. فلم تعد الذات كما كانت .. لم تعد تطربها الكلمات ..ولا تغاريد الطيور .. كل ما تراه هو نوارس راحلة عن بحرها .. وطيور تهاجر إلى غير موطنها ..
ونفوس تسكب كأس العبرات من أدمعها ..
فياللقسوة !
ياللحسرة على تلك الأرواح الطاهرة .. والنقية ..والعذبة ..!
كيف غادرتنا إلى حيث لا رجعة .. كيف حملت حقيبتها الأخيرة دون وداع ؟
كيف خلفت كل ذلك الحزن .. وذلك الوجع برحيلها؟
وأعلم أن الفقد غال.. والعمر غال.. وما من خسارة كخسارة فقد الأحبة .. فهي النصل الذي يطعن خاصرة التلذذ بالحياة ..فترديك صريع الحزن .. وسريع البكاء..
وكم هو مؤلم ذلك الفقد..الذي يرحل بالأحبة بعيدا دون موعد …!!
فقد الأحبة يولد الحزن..
‏يرسم خطوطه بدقة على الوجه ..
‏يبعثر الملامح ..ويسقط الفرح في مدافن الفقد..
وما رأيت مثل الفقد ينزع منا حبات القلب نزعا…وينبت الأسى في حنايا الروح لحنا سرمدا..
ويدمي القلب جرحا .. والجسد وهنا ..
وما من شيء أوجع من الفقد .. ومرارة الفقد .. ولن يشعر بك إلا من هزمه الرحيل ..وبات الفقد عند بابه ..وخطف الموت أعز أحبابه..
فالفقد درب موحش .. وسراديب للروح معطوبة .. لا نجاة من شراكه إلا بالدعاء .. وبذل الدموع ..
ولا رثاء يفي بقامة الفقد .. فلغة الرثاء. تظل عاجزة ..ومنكسرة .. وحاسرة الحرف .. أمام حجم الفقد..
تضيع منك البوصلة فتختلف عليك الاتجاهات وتشعر بالتيه ..تبحث عن قصيدة تتوكأ عليها من وجعك .. وترتل فيها حزنك .. وما من حرف يطفئ لهيب فقدك ..ويعيد لك توازنك ..
فالفقد كالمدينة الذهبية الضائعة التي تحاول البحث عنها في بقية المدن ولكن لا
تراها .. ولا تجد بعضا من ملامحها ..فتعود منعطفا على ذاتك ..تسكب الدمعة تلو الدمعة .. وما من مهرب إلا إلى الله .. الله وحسب ..
فلله القلوب الموجوعة..!
ولله القلوب المثقوبة..!
ولله كل أمرنا ..وكل دمعنا !!

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button