الفوضى بطبيعتها تولّد الضجيج والضجيج هو حالة فوضى لا تراعي في تأثيرها الأسوار الحقيقة ولا التأطير المصطنع، وعليه فإنها تبدأ من غيرنا لتحتل أرواحنا وتتابع السير لتمتد إلى مربعات بمسمى “ضحية لضحية”.
يوماً ما سيتعين على البشر أن يقاتلوا الضجيج بشراسةِ قتالهم الكوليرا والطاعون“.
ربما لا يقصد روبرت كوخ ما نقصده تماماً لكن ما يقصده سهم نافذ من سهام الضجيج والفوضى، ويتفقون في النتائج وإن اختلفوا في المعطيات.
حالة الفوضى تباعدنا كثيراً عن الأحكام الصائبة، وتزاحم الطريق بالعقبات نحو الأهداف، وما قُدّر له التمام في يوم سيأخذ مدة أطول بوجود الفوضى، والذي عاش حيرة الخيارات وشتات الرأي حول أمر ما يدرك كيف للفوضى أن تمانع في اتخاذ القرار.
هناك فوضى داخليه أنت فيها بين صانع ومصنوع، ومن عظمها ستُخص بالإفراد في قابل الأيام، ولكن ما يُعنى به الانسحاب في هذه الرحلة هي فوضى المحيط والتي هي خارج حدودنا ابتداءً، والتي صُنعت دون أذنٍ منا، ولم تتم المصادقة عليها من قبلنا بأي شكل، وأدركنا أننا نشكّل فيها ركناً لم نشيده وسهماً لم نبريه.
لكل دائرة طبيعتها الخاصة من الفوضى المحتملة، ودائرة العمل مثلاً تتزايد فيها الفوضى لكثرة أسباب النشوء وتعدد فرص الانتشار، وربما وجدتَ نفسك فيها دون علم، وقد تملك حينها الرؤية والعزيمة لانتشالها، ولكن لسان حالك في خلفية المشهد “لا يصلح العطار ما أفسد الدهر” وهو حق إلى حد ما، ولكن ليس على إطلاقه، ومتى تحررت المقولة واقعاً حتماً ستكون مورد آخر لتلك الفوضى، ليصبح ما تنقّصت قديماً هو اليوم جزء من نشاطك.
للحلول السحرية زمن لم ندركه بعد، ولكن لنطرح نقاط هي أقرب ما تكون مواد للتدارس وأيقونات للبحث والمذاكرة في سبيل الانسحاب، وأولها الاعتراف بها وإن كنا جزء منها، ونبذ قاعدة العطار والدهر، والبدء بما تملكه أنت في ذلك المكان، وخلق صورة نمطية لك تخبر عنك في سماء تلك الفوضى، واصنع لك أثراً تشرئب له الأعناق، وحارب ما استطعت الا تندمج، ولا يغرك الكثرة، ولا تبالغ في توقع الأثر، وأخيراً ابسط الواقعية من خلال التدرج في صناعة التغيير.
كما أسلفنا أن ما ذكر ليس سوى مادة للمذاكرة لعلها تكون انطلاقة، ولكن لكثرة ما يدار من احتقان بسبب الفوضى حتى باتت نمطية في الكثير من أماكن العمل، وبات التراشق بالتعليل شماعة للفشل وسبباً في التراجع ولسان حال الجميع لو أوجدني القدر في غير هذه البيئة لــ “صنعت وصنعت” وهذا بحد ذاته ضجيج يصب في ساقية الفوضى.
ختاماً.. لكل منا فوضاه الخاصة المهددة، ولا بد لكل فوضى من علاج ناجع ينهيها ومادام الإنهاء ليس من المستحيل فلازال للسعادة بقية.