من البدهي أن يُقابَلَ كل فعلٍ يقوم به المرء بردة فعلٍ من قبل الدائرة المحيطة به مهما بلغ اتساعها. قد تكون ردة الفعل تلك لفظية أو عملية، أو حتى باختيار الصمت كردة فعل ذات معنى. وليست القضية في وجود ردة الفعل تلك، ولا تفسيرها في عقل مقدمها أو متلقيها. ذلك التفسير الذي يصنف ردة الفعل تلك (نقدًا) تجاه تصرفه.
قد يكون هذا النقد مجحفًا أحيانًا، ومنطقيًّا يهدف التجويد في أحيان أخرى، إذ أن متلقي هذا النقد يملك امتياز تحديد مسار النقد وتفسيره بالشكل الذي تُشكله إيجابيته أو سلبيته، أو حتى حياديته، ثم تتباين ردة الفعل بعد النقد بين التقبل والرفض أو البقاء في أمان الحيادية.
ولربما قفزت إلى الذهن تساؤلات حول النقد باتساع أفقه؛ فلماذا ننتقد؟ ومتى ننتقد؟ في بحثٍ عن الأسباب أو المبررات، ثم ماذا بعد النقد؟ بتأمل في تأثير هذا النقد على كلا الطرفين “الضحية أو الجلاد” كما يتصور البعض طرفي معادلة النقد. ولربما قادتنا التساؤلات نحو عمق البحث عن: لماذا نحن؟ ولماذا تتركز بؤرة النقد حول البعض دون غيرهم وكأنهم يجذبون النقد إليهم بطريقة أو بأخرى؟ ولمَ حدث النقد في هذا التوقيت بالذات؟
أسئلة كثيرة يلف بها البعض حوله كشرنقة ليبرر النقد الذي يواجهه تجاه تصرفاته، ويفسر هذا النقد بتفسير لا يتجاوز السلبية، وكأن المنتقد لم ينتقد إلا لينال منه ويحطم شيئًا ما في داخله، أو يفقده لذة النجاح والإنجاز.
لنفترض أن الأذن التي تسمع هذا النقد تجيد امتصاص الإيجابية في النقد الموجه لها؛ فترى العيوب كتحديات تحتاج إلى مواجهة وإصلاح، والنقد المجحف الذي لا يمت للواقع بصِلة كسرابٍ مر به فجهر عينيه للحظات ثم اختفى؟
حقيقة الأمر هي أننا لسنا نملك أن نكمم أفواه الناس، وليس لنا أن نعيش بمعزلٍ عن العالمين في مدينةٍ فاضلة مغرقة في المثالية، لكننا نملك فنون التقبل والقبول والتجاوز، وفن الرد الذي لا يؤذي ولا يسمح للغير بأذيتنا.
أن نَنْتَقِد فهذا حقٌ مشروع ما دام لا يتعدى حدود احترام الآخرين، ولا يمس شخصهم وحرياتهم، وأن نُنْتَقَد؛ فهذا شأن الناس ولا سلطة لنا عليهم، بينما التعامل مع هذا النقد بالقبول أو الرفض، أو حتى التغافل فهذا شأننا الخاص الذي لا يملكه غيرنا. وما دمنا في منطقة صلاحياتنا؛ فلمَ لا نختار إيجابية النقد في تقديمه، وإيجابية تقبله، أو حتى استثماره بشكل إيجابي بعد “فلترة” ما يناسبنا منه، والاستمتاع بخلاصة الفلترة كتجربة حياتية رائعة؟
لافض فوك
سلمت أناملك –