شكا موظف بإحدى المؤسسات إلى مديره بأنه أمضى عشرة أعوام في عمله اكتسب خلالها خبرة واسعة، ومع ذلك فقد تخطاه في الترقية من هم أحدث منه عهدًا وأقل منه خبرةً من الموظفين. فقال له المدير: أنت ليس لديك خبرة عشرة أعوام؛ فالواقع أن لك خبرة عام واحد فقط! ولكنها تكررت عشر مرات!! هذا الموقف يؤكد لنا حقيقة غائبة عن الكثير من الناس؛ وهي أن الخبرة لدى البعض وأؤكد على كلمة البعض!! ربما لا ترتبط دائمًا بعدد السنوات التي يمضيها الموظف في وظيفة معينة؛ إذ إن هناك وبالفعل أشخاص كسالى لا يتطور أداءهم ولا تزداد إنتاجيتهم مع مرور الوقت ولو مارس أحدهم مهام نفس الوظيفة لعقود من الزمن وليس مجرد سنوات، فإنتاجيته متدنية وثابتة إن لم تنخفض، ومهاراته تستمر ضعيفة لا تتطور بمرور الوقت مها حاولت مساعدته ومهما دفعته للتدريب، ولكنني أجزم أن هذه النوعية من الموظفين لا تمثل الأغلبية بين منسوبي المؤسسات الحكومية وكذلك الخاصة؛ لأن الموظف أيًا كان مركزه الوظيفي وبغض النظر عن نوعية المهام التي يمارسها؛ فإن من الطبيعي أن تزداد خبرته وتجاربه وترتفع مهاراته مع مرور الوقت؛ فهو لا يعمل بمفرده فلديه إدارة توجهه وترشده للأداء الأفضل، كما أن لديه زملاء يعمل معهم، يمارسون نفس المهام ومن غير المعقول ألا يستفيد من وجوده بينهم لفترات طويلة.
ولكن في المقابل إذا لم نعتبر عدد السنوات التي يقضيها الموظف في عمله كمؤشر للكفاءة؛ فإذن ما هي معايير كفاءة الموظف؟ ومن يضع هذه المعاير وكيف ومن يقرر اجتياز الموظف تلك المعايير من عدمه. الحقيقة أن كلمة الكفاءة أصبحت كما يُقال كلمة حق يُراد بها باطل!! فكثير من الإدارات عندما تريد أن تُجامل موظفًا على حساب آخر تحمله على بساط ريح الكفاءة الوهمية ليهبط في أقصر مدة زمنية على شاطئ المغانم (منصب إداري، ترقية، انتداب، خارج دوام وغيرها من المكاسب المالية والمعنوية)، وإذا ما تذمر زملاؤه الأقدم والأكثر منه خبرةً؛ حينها يشهر المدير سيف الكفاءة الوهمية ليسكت به كل من يتهم المدير بمحاباة الموظف الأقل خبرة وكفاءة على حساب الأجدر، والحقيقة أن هناك بعض المواقف تفوح منها رائحة التحيز والتمييز والمجاملة لموظف على حساب آخر مهما كذب المدير ودلّس وادعى أن الموضوع يتعلق بالكفاءة ومن ذلك:
عندما يلتحق موظف جديد بالعمل في قسم من أقسام المؤسسة، ويبدأ في العمل والاستفادة من خبرات من هم حوله والتعلم من رئيسه المباشر الذي لا يلي جهدًا في توجيهه وتدريبة، وفجأة وإذ بهذا التلميذ المستجد يطير بالترقية الاستثنائية على بساط الكفاءة المزعومة تاركًا لمديره وزملائه المؤهلين الحسرة والندامة، وصورة أخرى من صور المحسوبية لموظف يتعب ويكد ويشقى ويبذل قصارى جهده للقيام بمهام عمله طوال ساعات العمل الرسمية، وعندما يكون هناك حاجة للقيام بتلك المهام في خارج أوقات الدوام الرسمي؛ حينها يتم إسناد تنفيذها لشخص آخر لا ناقة له ولا جمل ولا علاقة لتخصصه أو طبيعة عمله بتلك المهام لا من قريب ولا من بعيد؛ سوى أنها مجرد إكرامية له ضمن خطة (زيادة مداخيل الشلة)، وكل ذلك يتم خلف ستار الكفاءة الوهمية. وبكل أسف أن الاستيلاء على الحقوق ومنحها لمن لا يستحق يسبب الحقد والكراهية بين أبناء المؤسسة الواحدة، وهي جريمة تلغي مبدأ تكافؤ الفرص بين العاملين والأخطر من ذلك أن تتحول المحسوبية في بيئة العمل من ثقافة إلى عقيدة، بل أصبحت جرثومة تسري في جسد كثير من المؤسسات يتحول معها العمل إلى بيئة سلبية طارده للكفاءات.
لدغات متفرقة:
• إذا كان لشهر إبريل كذبة واحدة في كل عام، فإن لمدير الكفاءة الوهمية أكثر من كذبة في اليوم الواحد.
• أكرر أمنيتي التي طرحتها في مقال سابق بأن تقوم الجهات المعنية بمكافحة الفساد بتصميم استبانة إلكترونية؛ يتم توزيعها بشكل مباشر على موظفي بعض المؤسسات دون تدخل من إدارة تلك المؤسسات، وبحيث تكشف هذه الاستبانة مدى وجود مؤشرات للفساد في تلك الجهات التي يتم توجيه الاستبانة إلى منسوبيها، أزعم أن مؤشر الكفاءة الوهمية سوف يكون مرتفعًا في عدد غير قليل منها.
• معايير الكفاءة الوهمية تختلف من مؤسسة لأخرى لكنها في الغالب لا تخرج عن القرابة، الصداقة، تعارض المصالح، التملق وربما يكون للتغنج دور أكبر في المرحلة القادمة.
خير الكلام:
قال الله تعالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾.
مقال رائع يشخص واقع معظم قطاعات الدولة. الفساد الإداري أخطر أنواع الفساد لانه مدخل كبير نحو الفساد المالي و الأخلاقي وينعكس سلبا على بيئة العمل. أرجو من نزاهة أن تجفف منابع الفساد الإداري(قدر المستطاع) وحينها تستقيم بقية الأعضاء.