كنتُ قد كتبت مقالًا عن مشكلة مدينة جدة الأزلية وهي: (مشكلة عدم اكتمال مشروع الصرف الصحي)، وبينما مقالي السالف الذكر ينتظر دوره في النشر، تفاجأنا في مدينتنا الحالمة التي يسمونها (عروس البحر الأحمر)، وهي في حقيقتها ليس لها من هذا المسمى نصيب، أقول تفاجأنا في صباح الخميس الحزين ٢٤ سبتمبر، بحدث مهول جديد قديم، فأدى ذلك الحدث الفوري إلى تأجيل نشر مقالي السابق ليحل محله في أولوية النشر هذا المقال، الذي يرثي حال جدة مع كل زخة مطر، ومن هذا المنطق أصبح المطر في جدة غير مرحبًا به من قبل الأهالي، ليس نفورًا من رحمة الله وغيث السماء، ولكن تحسبًا وتخوفًا مما سيحدث من عواقب في مدينة جدة، جراء الغرق والخسائر والتلفيات سواءً في الأرواح أو الممتلكات، صباح الخميس من حوالي الساعة الثامنة إلى الساعة الثانية بعد الظهر، اختلط بر جدة ببحرها، ولم نعد نفرق بين السباحة في البحر أو السباحة في الشوارع، امتلأت الأنفاق وفاضت وأصبحت كالبحيرات، وغرقت الشوارع وصارت مستنقعات، وجُرفت الكثير من السيارات، سواءً السيارات الماشية أو المتوقفة في الشوارع المصابة بالغرق، وأمانة جدة لديها أمام هذه الكوارث السابقة واللاحقة حل واحد فقط، وهو إحضار مواتير الشفط والوايتات لشفط المياه المنهمرة التي غمرت الشوارع، أمانة جدة أحيانًا تتأخر الوايتات فتقوم المواتير بشفط المياه من النفق وصبها في الشارع الذي يعلو النفق، فيقوم الماء بدوره في مواصلة طريقة فيعود إلى النفق من أقرب فتحة أو ميول في الشارع، في جريان دائري كالنافورة تمامًا في عملية الشفط والتفريغ من المكان إلى ذات المكان ..
مشاهد مؤلمة ومناظر محزنة وأحداث متكررة لمدينة جدة وأهلها، والمصيبة أن كل هذه المشاهد التي تم رصدها في مدينة جدة يوم الخميس المذكور، قُوبلت بالتجاهل والتقليل من أضرارها، بل وللتبرير عن وقوعها من أجل الدفاع عن الأخطا المتكررة، وذلك من قبل بعض خطباء المساجد في خطبة يوم الجمعة التالي ليوم الخميس الحزين؛ حيث كانت خطبة إمامنا كلها تدور حول تبرئة الأمانة مما حدث وتلمس العذر لهم، والدعاء لهم ولمجهوداتهم التي يبذلونها في هذا الشأن، وأظن الإمام يقصد جهودهم في جلب مواتير الشفط والوايتات كحل جذري ووحيد (وناجح) للتعامل مع سيول جدة منذ سيولها التاريخية في عام ٢٠٠٩ وحتى الآن ..
هذا هو رأي إمام مسجدنا الذي لا يقل استفزازًا وضررًا عما حدث لمدينة جدة في يوم الخميس ..
ولهذا نقول من هذا المنبر الإعلامي (صحيفة مكة الإلكترونية) بأن المطر في جدة هو أكبر كاشف وأصدق مُبَلّغْ عن الفاسدين الذين تسببوا في إغراق جدة مع كل رشة مطر، بالرغم من المبالغ الضخمة والسخية التي دفعتها الدولة، وتدفعها تباعًا لمشاريع مدينة جدة، ومع ذلك لا تزال المشكلة قائمة ومتكررة، لعدم القضاء على جذورها المتعمقة في الوجدان الجداوي.
0