مفهوم القوة الناعمة، حسب جوزيف ناي نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق ومدير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي، وعميد كلية الدراسات الحكومية في جامعة هارفارد، وأحد أهم المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين: القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، ويشير (ناي) إلى أن القوة الصلبة – في المقابل – تعني القوة المشتركة السياسية والاقتصادية والعسكرية، أي القوة في صورتها الخشنة التي تعني الحرب، والتي تستخدم فيها الجيوش، ويرى ناي أن القوة الناعمة لبلد ما ترتكز على ثلاثة موارد، هي: ثقافته، قيَمَه السياسية، وسياساته الخارجية؛ خصوصًا عندما يراها الآخرون مشروعةً وذات سلطة معنوية وأخلاقية..
ويعني المصطلح أيضًا أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، وأصبحت هذه القوة اليوم نمطًا أساسيًا في كسب العقول وتطويع العواطف وتحييد سلوك الشعوب، عن طريق التسامح وقبول الآخر، ومما زاد من أهميتها تنوع أنماطها وتعدد أشكالها وابتعادها عن النمط التقليدي المتمثل بالقوة الصلبة.
القوة الناعمة – أيضًا- هي ذلك النوع من القوة التي تركز على الوسائل الدبلوماسية والسلمية في تحقيق أهدافها.
وفي تعريف آخر لروبرت دال، فإن القوة الناعمة: “القدرة على حمل الآخرين على القيام بما لم يرغبوا في فعله”، بمعنى أن يقوم الآخرون بما تريده أنت دون أن تجبرهم بالقوة أو تغريهم بالمال، وهذه القوة تستعمل أنواعًا مختلفة من العمل بعيدًا عن الإجبار أو الإغراء لتوليد التعاون، وهو الانجذاب إلى القيم المشتركة والجميلة مثل: الثقافة، الفكر، التسامح، اللباقة والأدب، النزاهة والمصداقية والعدالة.
يمكن القول أيضًا: إن توصيل قصة جيدة عن بلد ما وإيصال رسالتها بشكل أفضل هو الهدف الأكبر لهذا النوع من القوة.
وفيما تتمثل القوة الناعمة في نوعها السياسي في سياسة المؤتمرات والحوار بين الحضارات للتقريب بين دول العالم وشعوبه، والقدرة على الجذب والتعاون بدلًا من التهديدات والضغوط، فإنها في نوعها الرياضي، تتمثل في كون الرياضة الوسيلة الوحيدة التي لديها القدرة على جمع الناس من مختلف الطوائف مع تفاوت درجة التعليم واختلاف الديانات المختلفة؛ فتقوم الرياضة من هذه الزاوية بتعزيز روح التبادل الثقافي بين الشعوب المختلفة.
وقد برز مفهوم القوة الناعمة في المملكة العربية السعودية لارتباطه فيها بشكل أساسي، كونها قوة جاذبة تمثّل رصيدًا لرأسمال سياسي ثمينًا يعزز نفوذ الدولة على الصعيد الدولي بعيدًا عن القوة الصلبة بالاعتماد على موارد قوامها؛ قيم سياسية وثقافة شعب جذّابة.
والسعودية بلا شك دولة قادرة بما تملكه من موارد لتلك القوة – من قيم ومبادئ أخلاقية مستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومجتمع متماسك يؤمن بالوسطية والتسامح والاعتدال – على جذب الآخرين طواعية ليكونوا شركاء لها في شتى المجالات السياسة، الاقتصادية، الاستثمارية، التعليمية، والرياضية، وهو ما أمكن تحقيقه بشكل كبير في الإطار العام لرؤية 2030.
إن فوز المنتخب السعودي لكرة القدم على الأرجنتين في دورة الألعاب الأولمبية المقامة حاليًا في الدوحة أثبت أن الدور الذي تلعبه الرياضة في حياة وأرواح الشعوب، هو “قوة ناعمة”، ضمن القوى المختلفة، وهو ما أمكن لمسه في ظل ردود الفعل الإيجابية العالمية التي عبرت عن مدى تضامن وتشجيع والتفاف الجماهير – في قطر وفي العالم أجمع- حول الفريق السعودي، وذلك التعاطف الشديد الذي أبداه المجتمع الدولي بأسره إزاء المملكة العربية السعودية.
اليوم، أصبحت المملكة إحدى المراكز العالمية الكبرى لأهم الأحداث والبطولات الرياضية الدولية بمختلف أنواعها، وراعية وممولة لها، مثل رالي داكار، وفورمولا 1، ومسابقات المصارعة والملاكمة، وبطولات الغولف، ورياضات “الماربل آرش”، ومسابقات التزحلق على الجليد، وغير ذلك من البطولات الدولية، كلها تؤكد على أهمية اعتماد المملكة على الرياضة كقوة ناعمة تحتل الصدارة في سلم اهتمامات الأجندة السعودية.
ولا ننسى أن كلمات التشجيع والتحفيز التي وجهها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمنتخب قبيل مباراته مع الأرجنتين، والتي عكست عُمق العلاقة بين سموه ولاعبي المنتخب بمطالبته لهم بـ “الاستمتاع” في المباريات، وأن يلعبوا دون “ضغوطات نفسية” كان لها أكبر الأثر في فوز المملكة على الفريق الأرجنتيني الأكثر حرفية على المستوى العالمي تأكيدًا على أن السعودية ماضية في مسيرة التفرد والتميز وصعودها إلى القمة ضمن الدول الأكثر تقدمًا في العالم بتوفيق الله، ثم من خلال تفعيل ما تمتلكه فعليًا من قوة ناعمة.