كان المتوقع أن تقتصر الأضرار الناتجة عن أمطار يوم الخميس الماضي في مدينة جدة على قطع الطرقات بسبب ارتفاع منسوب المياه وتوقف حركة السير واحتجاز لعدد كبير من المركبات وخاصة تلك التي داهمها المطر أثناء سيرها في الشوارع؛ إما لأن بعض أصحاب تلك المركبات لم تصل إلى مسامعهم التحذيرات في الوقت المناسب، وقد يكون الوضع متعلقًا باستهتار البعض الآخر، ولكن على العموم في (جدة غير) كما يحلو لسكانها إطلاق هذا الشعار على مدينتهم الجميلة؛ فإن مياه الأمطار حتى وإن كانت أمطارًا خفيفة فإن أضرارها لا بد أن تتجاوز توقف حركة السير إلى جرف عدد كبير من السيارات المتوقفة أمام المنازل ومداهمة الناس داخل منازلهم وتلف الكثير من الممتلكات وإزهاق عدد من الأرواح بل وربما تتحول معها جدة إلى مدينة منكوبة؛ ولا يتكرر هذا الوضع سوى في مدينة جدة دون غيرها من المدن، فكل مناطق المملكة حماها الله تصيبها الأمطار والسيول، وبكثرة على مدار العام الواحد ولا نسمع أو نقرأ عن مثل هذه الكارثة والخسائر في الأرواح والممتلكات سوى في مدينة جدة.
كلنا مؤمنون بحمد الله ونعلم حق اليقين أن الأمطار والسيول هي رحمة من رب العباد، وفي نفس الوقت ربما تكون كغيرها من حوادث الطبيعة ابتلاء من الله -عز وجل- لعباده، ولا شك في ذلك فلله الحمد والمنة على كل حال. ولكن هذا لا يعفي كل شخص عن أداء مهامه على أكمل وجه، كما أن ذلك لا يعفي أية جهة ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة عن القيام بمسؤوليتها في عمل التأمينات اللازمة والاحترازات الوقائية للتقليل من أضرار هذه الحوادث. وبعد أن يؤدي كل شخص وكل جهة الدور المنوط به؛ فلن يلومه أحد. لكن عندما تجد كميات كبيرة من مياه الأمطار تتجمع في جهة من الشارع بينما الغرفة الخاصة بتصريف المياه في الطرف الآخر من نفس الشارع لا يوجد حولها قطرة مياه واحدة نتيجة لميلان الشارع بعيدًا عن غرفة تصريف المياه؛ فاعلم أن من قام بتنفيذ هذا المشروع شخص فاسد، وأن المسؤول الذي أقر بسلامة المشروع ووقع على استلامه هو أفسد ممن نفذه. وعندما تجد أحياء بالكامل تم تخطيطها منذ البداية في أماكن هي بالأساس أودية ومجرى للسيول، فاعلم أن هناك تاجرًا فاسدًا وجشعًا لا يخاف الله قام بهذا العمل غير آبه بمستقبل أرواح عدد كبير من البشر سوف يقطنون في هذا المكان، ولا شك أن الأفسد منه اشخاص في أكثر من جهة ذات علاقة أقروا صلاحية هذا المخطط للسكن. عدد كبير من المباني الخاصة بالمواطنين وكذلك مباني لجهات حكومية ورغم حداثتها إلا أن قطرة مطر واحدة تقع على سطحها تصل لأرضية الدور العلوي قبل أن يتبين أثرها على سطح المبنى وكأنما هي رصاصة اخترقت السقف؛ حتى إن أحد المباني الحديثة الخاصة بإحدى المؤسسات لم تمر على إنشائه سوى فترة قريبة؛ ومع ذلك مع بداية نزول قطرات مطر على سطح المبنى تجد شلالات من المياه تخر من سقف معظم المكاتب الأمر الذي حدا بموظفي الجهة إطلاق مسمى (الإدارة بالخرخرة) على إدارة المؤسسة.
وقد كادت قضية سيول جدة الشهيرة في 2009؛ تُطوى في ملف النسيان، قبل أن يصدر أمر الملك سلمان -حفظه الله- قبل فترة، بإنشاء اللجنة العليا لمكافحة الفساد، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وفقه الله- التي قرّرت إعادة التحقيق في ملف فساد كارثة السيول بأثر رجعي، وذلك بعد تكشف عديد من الملفات التي تدين مسؤولين كبار ورجال أعمال، لذلك فإن سكان مدينة جدة على يقين تام بأن الحل أصبح أقرب من أي وقت مضى؛ طالما ملف القضية في يد عراب الرؤية ورائد مكافحة الفساد الأول سمو ولي العهد -حماه الله- وبمتابعة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ومتعه بالصحة والعافية، وخاصة مع ظهور شهادة جديدة في القضية ألا وهي أمطار الخميس الماضي.