“التمريض ليس المشكلة ولكن المشكلة تكمن في……!!؟؟
” كلمة افتتاحية للدكتور محمد الغامدي مدير التمريض بوزارة الصحة السعودية، ورئيس الجمعية المهنية السعودية للتمريض في محاضرة قدمها يوم الأربعاء الموافق ٦ جمادى الأول ١٤٤٤ في المؤتمر الدولي بالرياض بعنوان التحول نحو التميز التمريضي، والذي تعقده مستشفيات السعودي الألماني.
إن هذه الكلمة تحتاج لتحليل ومناقشة؛ لأن تحت طياتها الكثير والكثير للمناقشة والآراء كذلك ولن تكفي هذه المقالة لسرد جميع الموضوعات حيالها، ولكن نتطلع الإشارة إلى بعضها. إن هذه الكلمة الافتتاحية فيها شفافية الطرح، ولا يخفى علينا جميعًا أن بداية حل أي مشكلة هو إدراكها وفهمها ومعرفة جذورها حتى نستطيع العمل لحلها، ووضع الحلول الجذرية لها بعونه تعالى.
كان من الواضح بالمحاضرة من خلال الإحصائيات التي عرضت الاحتياج الشديد للتمريض بالعالم وليس بالمملكة الحبيبة فقط، وكل مرة يتضح للعالم أهمية التمريض خلال الحروب وكذلك الجائحات، ولنا في جائحة كورونا أكبر دليل، والوضع ليس ببعيد فجميعنا يعلم ويعرف أن كوادر التمريض كان لهم دور كبير بفضل الله سبحانه وتعالى في العمل الدؤوب لصد الجائحة مع الكوادر الصحية الأخرى.
وقد يكون من المناسب تذكير أنفسنا بما حصل في عام ١٩٩٠ خلال حرب الخليج (اجتياح العراق للكويت) والتحديات التي واجهت المستشفيات خلالها في المفاهمات مع الممرضين من الدول المختلفة للإبقاء عليهم في المنشآت الصحية، وقد أثر ذلك وبلا شك على سير المنظومات الصحية من حيث التخوف ومن حيث الاضطرار لرفع الرواتب والمميزات لاستبقاء الممرضين خاصة الأكفاء منهم.
في كل مرة نعلم ونعرف أهمية التمريض الماسة والشديدة، ولكننا ندور حول المشكلة في دوائر مفرغة منذ عام ١٩٩٠ إلى عام ٢٠٢٢ أي (٣٢ سنة) ونعود من حيث أتينا لنقطة البداية للاحتياج الشديد للتمريض، ومازال العدد لا يتوافق مع المتطلب العالمي للتمريض. الاحتياج للتمريض يزيد لأسباب متعددة مثل: زيادة السكان وزيادة المنشآت الصحية، والتي يقابلها قلة الخريجين وتسربهم من المهنة وهي مشكلة عالمية، وليست حصرًا على دولة بعينها.
وقلة من الدول والتي لا تُعاني ذلك وقد يكون من المناسب الاطلاع على تجاربهم للاستفادة منها مثل: دولة الأردن، والهند، والفلبين.
تم الإشارة أن أحد الأسباب التي وضعت بالإحصائيات أن عدد الخريجين من الجامعات قليل جدًا، وحتى مع الجهود التي بذلتها الجامعات لرفع سقف القبول للطلبة في السنوات الثلاث السابقة يبقى العدد قليلًا بمقابل العروض الوظيفية المتوفرة للطلب في سوق العمل، ولن تستطيع المملكة ولو في ٣٠ سنة بهذا المعدل للتخريج الوصول للعدد المستهدف العالمي لكوادر التمريض.
اعتبر هذه الخلاصة صفعة على وجهي كوني من كوادر التمريض؟؟! حزينة ومتألمة ومقهورة؟! وأعتقد قد يكون نفس الشعور لدى كوادر التمريض والمسؤولين على النظام الصحي والتعليمي في بلدنا المعطاء. في ظني لا بد من وقفة جادة منا جميعًا كوادر التمريض للتفكير خارج الصندوق في وضع حلول. في ظني أكبر المعوقات نحن من يصنعها؛ ولذلك يمكننا حلها إذا تعاونا وتضافرت الجهود لفهم وجهات النظر والجدية من الجميع للتيسير لحلها. هناك تحديات كبيرة ومتعددة وكل سنة تزيد وتظهر تحديات أكبر بجانب بعضها البعض. فلا بد لنا من مد الجسور حتى لا تصبح الصعوبات مثل الأسوار والتي يصعب كسرها أو اختراقها.
حقيقة بذلت دولتنا الحبيبة الكثير من الجهود لتشكيل لجان بمختلف الوزارات لدراسة آليات التوطين لمهنة التمريض، وبدء تطبيق الحلول مثل الابتعاث لزيادة الجاذبية للمهنة.
كما وبذلت الجامعات ممثلة بكليات التمريض وأقسامها الجهود المستمرة لرفع سقف القبول للطلبة، ووضحت أن الجودة في التعليم حسب توصيات وزارة التعليم واهتمام وزارة الصحة هو متطلب هام يجب علينا جميعًا التكاتف لتحقيقه بجانب رفع سقف القبول. لدى كليات التمريض الكثير من الأفكار التي قدمتها للوصول لهدف زيادة أعداد الخريجين من الكليات والبعض قام من باب المسؤولية بالمحاولات والمتابعات لتطبيقها، وتقوم وزارة التعليم بجهود للمتابعة مع الجامعات للتأكد من سرعة اتخاذ القرارات والدعم لكليات التمريض لتحقيق المؤشر المطلوب.
خلال المحاضرة تداخلت من جانبي بإضافة للدكتور محمد عن أهمية الجلوس لطاولة الحوار بين وزارة الصحة والجامعات ووضع حلول متعددة للوصول للمستهدف العالمي لنسبة كوادر التمريض في المنظومات الصحية مثل أهمية التركيز على التعليم لكوادر التمريض الحاصلين على دبلومات في وزارة الصحة (التجسير)؛ حيث إنهم النسبة الأعلى في الصحة ويمكن بتضافر الجهود أن يتم تجسيرهم خلال سنوات قليلة بآلية التعليم والتدريب على رأس العمل لتفادي النقص في العمل بالمستشفيات. كما وتم الاقتراح بالنسبة للماديات أن تكون اتفاقيات استقطاع من الموظف؛ وبذلك لن تتحمل وزارة الصحة أي تبعات مالية. كما وتم الإشارة أنه يمكن الاستفادة من توصيات مجلس شؤون الجامعات بما يخص برامج النفاذ لبرامج التمريض مع العمل على توفير الوظائف عليها من وزارة الصحة والمستشفيات وخطة الاستمرار للدراسة على رأس العمل للخريجين من هذه البرامج للوصول لمستهدف التخريج بدرجة البكالوريوس وغيرها من الأفكار العديدة والممكنة إن أردنا تبنيها.
الأهم أنه يجب علينا أن نستعين بالله، وأن لا نحبط أبدًا لتحقيق ما هو صعب، ولنا في كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- والذي أدرك أهمية التمريض وربط اسمه بهذه المهنة الإنسانية وبمقولته المشهورة: (الشعب السعودي شعب جبار لا يقهر) كلمة أصبحنا نرددها لأنفسنا لطلبتنا لزميلاتنا لأبنائنا نستمد منها الإيجابية والتحفيز للحلم للوصول لما هو مستحيل.
نعم يمكن ما يتم تحقيقه في ٣٠ سنة أن نحققه في سنوات أقل، ويمكننا أن نحتفل ونفخر جميعًا بتوطين مهنة التمريض بعونه تعالى وكوادر التمريض والمسؤولين قادرين وأهل لذلك -بإذن الله-.
-عميدة كلية التمريض- جامعة الملك عبد العزيز
رئيس الجمعية العلمية السعودية للتمريض