المقالات

اقـتصـاد التـقـوى

“اقـتصاد التقـوى” في نظري؛ هو كل اقتصاد يتأسس أو يعتمد على مشاعر الناس الدينية ــ بصرف النظر عن الديانة نفسها..
فـمبيعات الرموز والتماثيل الدينية، وسياحة المعابد وزيارة أضرحة الصالحين، وصناعة الطعام الحلال والكوشر في الديانة اليهودية، ونظام المصارف غير الربوية في الدول الإسلامية؛ مجرد نماذج قليلة لـصناعات مليارية تعـتمد في بقـائها على عُمق المشاعر الدينية…
ولأنها تعتمد على المشاعر أكثر من أي شيء آخر، ولأنها صناعة هجينة تركز على فـئة معـينة من المستخدمين، تعجز عن المنافسة والتفـوق ــ ويخف ازدهارها غالبًا بمرور الأجيال..
خُذ كمثال تجربة البنوك الإسلامية التي فشلت (منذ سبعينيات القرن الماضي) في إيجاد بدائـل مصرفية أقـل غـبنًا وظلمًا من البنوك التقليدية. لا تحتاج لأن تكون خـبيرًا في الاقـتصاد لتدرك أن معظم منتجاتها (الشرعية بدون شك) مازالت أكثر كُلفة على العميل مقارنة بـالدول غير الإسلامية. نجاحها الأبـرز كان لفت انتباه البنوك الأجنبية إلى أهمية المشاركة في “اقتصاد التقـوى”؛ حـيث يمكن للبنك (عـدم منح) المودعين أي أرباح وفوائد بحجة أنها محرمة شرعًا..
لا أختلف معك في أن الربـا (محرم شرعًا)، ولكن الهدف من هذا المقال هو تحذيرك من التورط في منتجات مالية أكثر منه ظلمًا وعـدوانًا (حتى لو كانت حـلالًا)..

..أيضًا لن أختلف معك في أن المصارف الإسلامية قامت على فكرة حميدة، ولكن تذكر دائمًا أنها مؤسسات ربحية ليس من شأنها إدخال الناس الجنة بـقـدر إدخال ودائعهم إلى (الخزنة)..

ما يجب أن نتفق عليه فعلًا هو أن السـبب الأصيل (والعميق) لـتحريم الربـا، عـدم الظلم والغـبن واستغلال حاجات الناس؛ وبالتالي، ما فائدة ابتكار بدائل وحلول أشـد ظلمًا حتى إن كانت مـُحللة شرعًا!
مشكلة المصارف الإسلامية أنها جميلة من الناحية النظرية، ولكنها تتضمن أوجــه ظلم وغبن من الناحية الفعلية.. تعـزف على وتـر “الحـلال” متجاهلة أن أغـلب الخدمات التي تقدمها البنوك التقليدية حلال في أصلها (كمعاملات الإيداع والاستثمار والتمويل) وحتى ما كان محـرمًا في الماضي أصبحت تملك له بدائل شرعية في الحاضرــ فهي أيضًا يهمها استقطاب العملاء!!
ولأن المصارف الإسلامية تأسست على فكرة (البدائل الشرعية)؛ تضطر دائمًا لاختلاق حلول صورية مُـكلفة يتحملها العـميل بدافع التقوى.. ولأن لجانها الشرعية غـير متخصصة في فنون المال والصرافة؛ تـقدم حـلولًا شكلية تعتمد على أسلمة الإجراء أو تغيير المسمى فقط (كاقتراح أخذ فـائدة القرض بصيغة مرابحة، أو استبدال الفائدة الربوية بـرسوم إدارية).. يـنتهي دورها بمجرد شـرعـنة وتحليل خدمات عالمية (موجودة أصلًا) وليس ابتكار خدمة محلية جديدة أقـل غـبنًا.. وإجراءات ملتـوية كهذه تـتسبب غـالبًا برفع رسوم الخدمة ذاتها مقارنة بالخدمة التقليدية المماثلة؛ بسبب كثرة الإجراءات الصورية، وارتفاع مخاطر تحصيل الديون، وأقـلمة الإجراء مع نظام الصيرفة العالمي…
ــ السؤال الذي يجب أن نطرحه بكل أمانة وتجـرد:
في حال تجاوزنا شرعية هذه الإجراءات؛ هـل نظام الصيرفة الإسلامي أكـثر عـدالة وتيسيرًا من بنوك عالمية نزلت معدلات الفائدة فيها إلى حدود الصفر؟
بكلام آخر :
هــل تقـبل (أنــت) دفع فـوائـد أعـلى لمجرد أنها شرعية و”مُـحـللة” من قـبل اللجنة الشرعية في البنك؟!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. طلبت رأينا بكل أمانة وتجرد:
    نعم نظام الصيرفة الإسلامي أكثر عدالة وتيسيراً لأنه بيع، والبيع فيه عدالة وتيسير شامل وواسع للمجتمع كله، ففيه تحريك لاقتصاد المجتمع بأكمله، وإن كان فيه تعب وتكلفة على الجميع إلا أنه مفيد للجميع.

    بينما الربا سهل على المقرض والمقترض لكنه صعب وحرب على اقتصاد المجتمع ويقود إلى هلاكه لأنه ليس فيه تحريك لعجلة الاقتصاد.

    مختصر مقالك: (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا)
    ويأتي الرد من الله: (وأحل الله البيع وحرم الربا).

    وليتك أقترحت أفكاراً تحسن من الوضع الحالي للصيرفة الإسلامية بدلاً من ضربها والتشكيك فيها وتفضيل الصيرفة الربوية عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى