قبل أيام انتهى معرض جدة للكتاب لعام2022، وقد أشاد الكثير بما كان عليه المعرض من تنسيق وتنظيم وروعة في التصميم، سواء من حيث تنظيم أجنحة دور النشر وعروض دور النشر، أو المنصات الرائعة لإقامة نشاطات المعرض الثقافية، إلا أنه من الملاحظ أن بُعد المكان وصعوبة الوصول إلى بواباته المتعددة، كان أحد أهم أسباب الحد من تمكين عشاق الكتب والمتعطشين للمعرفة والثقافة الوصول أو السعي إليه، مما قلل من أعداد الزوار والراغبين في شراء الكتب ومعرفة أهم وأحدث الإصدارات.
يظل الكتاب، وإن تعددت الوسائل واختلفت الوسائط، وتعددت المصادر، الوسيلة الشعبية الأكثر شيوعًا، واستئثارًا باهتمامات المثقفين، والمهتمين بالقراءة والتثقيف والأخذ بكل المعارف، وهو أيضًا الوسيلة الوحيدة الباقية لمعرفة الإنسان أبد الدهر، رغم وجود بدائل حديثة ومتطورة، ومتعددة المصادر وفق مستجدات التثقيف المعلوماتي والتواصل المعرفي، عبر وسائل الإعلام الجديد ومنصاته المرئية والمقروءة، وما تم إنتاجه من روايات ودواوين شعرية وكتب فكر ونقد مسموعة، مسجلة على الأسطوانات المدمجةCDs. إلا أن الكتاب المطبوع في هيئته، التي اختصرت ثقافات العالم بكل اللغات والحروف والصور، واختصرت ثقافات الشعوب بين دفتيه وفي ثنايا صفحاته، يبقى سيد كل المواقف عبر الأزمنة، ربما أقول هذا تعاطفًا وأنا الذي لازلت لا أجد متعة القراءة إلا في أحضان الكتب أشم رائحة حبرها وورقها، فالعلاقة بين المفكرين والأدباء والعلماء، والكتب علاقة حميمة وعشق قديم تولد في النفوس والعواطف، منذ سنوات نضوجهم وتعلمهم وتعلقهم بعشق القراءة، وشغفهم الدائم في طلب العلم والمعرفة والإبحار في عوالم الثقافة وآفاق المعارف، وبنفس العلاقة العاطفية التي نلمسها ونحن نُلقي بهمومنا ومشاعرنا وأفكارنا، وجنون إبداعنا، في أحضان القلم والورق، وقد تهيأت لنا وسائل أكثر حداثة، وتطورًا في الكتابة والتدوين، وتوفرت للأدباء والمتعلمين والباحثين وطلاب العلم، وسائل النشر الإليكتروني وبرامج تنسيق الكتابة والتدوين، كذلك هو حال الذين اعتادوا قراءة الصحف الورقية، ضمن طقوس وجبة إفطارهم الصباحية، في الوقت الذي تعودوا فيه الإدمان على التصفح المستمر لمواقع الإنترنت المتعددة وشبكات التواصل، للوصول للمعلومة والخبر، نجدهم لا زالوا على عادتهم مع صحفهم الورقية الباقية، مع إيمانهم بحتمية التغيير.
وللإجابة على سؤال حول صمود الكتاب أمام المتغيرات طويلًا، نؤكد وبكل ثقة بقاء الكتاب المطبوع والحفاظ على شعبيته طويلًا، وصموده أمام تحديات العصر التكنولوجي المذهل عالميًا، بعد قيام دور النشر العالمية والعربية على تجربة الكتاب الإليكتروني، وقد شاهدنا في معرض كتاب جدة الأخير نماذج حديثة من تلك الكتب، لكن الإقبال حتى اليوم لازال على الكتاب المطبوع حتى في الدول المتقدمة الأكثر تطورًا في ثقافة العوالم الافتراضية الأكثر مبيعًا.
0