المقالات

كيف يتحوَّل الشتاء في حياتنا إلى ربيع؟

المواطن والمقيم في هذه البلاد المباركة في نعم متعددة، والحمد لله يستطيع أن يوفر له ولأهل بيته الملبس والمسكن والمأكل والمشرب والمركب.. وهذه النعم تأتينا من كل مكان في العالم، ونحن في أمن وأمان.. إنّ هذه النعم تستوجب منا شكر الله عليها كما قال -عز وجل- في سورة إبراهيم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
عند اشتداد البرد في فصل الشتاء نبحث عن تدفئة بيوتنا وأجسادنا؛ فإذا كنا نحرص على لباس يقينا برد الشتاء فمن شكر النعم أن نستمسك بلباس الأتقياء كما قال تعالى في سورة الأعراف: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) من تأمل في هذه الآية وتدبرها وعقلها أيقن أن بني آدم يجب عليهم أن يلبسوا لباسين لباس يستر عوراتهم فيراعون به قيمهم ووطنيتهم.. ولباس التقوى يحفظون به عقيدتهم ودينهم وحياءهم وهويّتهم.
كلما ابتعد الإنسان عن تقوى الله كلما تخلى عن ستر جسده باللباس، وتناسى أن يستر قلبه وعقله وحياته بالحياء والتقوى، فما يحصل من بعض الشباب والفتيات من التعري وقلة الحياء في بعض وسائل السوشال ميديا هو بسبب ضعف التقوى في القلوب ..
الحياة لا تصلح بلا تقوى؛ لذلك السلف الصالح ومن تبعهم من الخلف عندما أيقنوا يقينًا لا شك فيه بأن التقوى هي النجاة وهي البركة، وهي اللباس الذي يقيهم نار جهنّم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار صار الوحي منهجًا ونورًا لحياته؛ ومن ذلك عندما علموا كما جاء في الحديث الصحيح بأن النار اشتكت إلى ربها بأنه قد أكل بعضها بعضا فأذن لها بنفسين.. نفس في الصيف وهو شدة الحرارة ونفس في الشتاء وهو شدة البرودة؛ عندما علموا بذلك فزعوا إلى الطاعة وملأوا قلوبهم بالتقوى وجوارحهم بالعمل الصالح؛ فأصبح الشتاء في حياتهم ربيعًا يفرحون بقدومه ويرحبون به كما رحب به عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قائلًا: (مرحبًا بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام).

الشتاء عند المتقين ربيع فقد جاء في الأثر بأن الشتاء ربيع المؤمن، وهذا الأثر من حيث المعنى صحيح؛ فالشتاء ببرده الشديد ولسعات الزمهرير عند المؤمنين ربيع؛ لأن نسمات التقوى تعانق قلوبهم فتتعلق بالله وتتقيه بالفروض والنوافل والطهارة والفضائل وتتلذذ بها.
إنّ الشتاء في أرواح وقلوب ومشاعر وحياة المتقين جميل كجمال الربيع بل أعظم وأجمل؛ لأن جمال الربيع يختفي بحر الصيف ولكن لذة قيام الليل ومناجاة الله ويقينهم ببشارة خلوف فم الصائم التي هي عند الله أطيب من ريح المسك رفعت إيمانهم..
فإذا كانت نسمات فصل الربيع تُلامس قطرات ندى الصباح على الزهور فتنثر عبقها؛ ليعانق أنفاس المارة فإن إسباغ الوضوء على المكاره يخرج الخطايا من الجسد حتى تخرج من آخر قطرة من الماء؛ لتعانق الطهارة والنقاء قلوب المتوضئين، ويستحضرون بشارة التحجيل فتتلذذ أرواحهم بربيع التقوى.؛ لا غرابة إذا رحب المتقون بالشتاء وكان الشتاء بل كل فصول السنة في حياتهم ربيعًا وسعادة وراحة ولذة ونشاطًا يستمتعون بأداء واجباتهم في بيوتهم وأعمالهم ووظائفهم ..وحياتهم كلها؛ لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى