“فك – وافك” .. مصطلح دارج، ظل متداولا منذ القدم، تعرفه الكثير من نواحي الأرض.
وأتوقع أن كثيرين ممن يقرأ هذه السطور، قد مر به شيء من مشاهد ومواقف وحكايات “فك .. وأفك”، وتحديدًا في ميعة صباه .. إما أنه اجترحه شخصيًا، أو كان شاهدًا عليه ضمن جمهور المتفرجين.
وأظن أن هذا المصطلح العجيب، قد نشأ في الأصل في بيئة الطفولة والمراهقة، بحيث بقي متلبسًا بقناع البراءة والنقاء، وظل كذلك حصرًا على مجموعة من الصبية الصغار.
ثم ما لبث أن غدا – فيما بعد – مصطلحًا أوسع استخدامًا، حيث صارت تتعاطاه القبائل والعشائر وحتى العائلات، قبل الوصول إلى صورة النظم المدنية الحديثة.
ولعل ترجمته البسيطة، (دعنا نتصالح – بدل أن نتعارك).
….
ثم ما لبث أن ارتقى في سلالم الأهمية ليكون مصطلحا سياسيا دوليا، تتعاطاه الدول، بما في ذلك الدول الكبرى ذات القوة المخيفة، ممن تمتلك صواريخ بالستية، أحدها يمكن أن يحمل عشرة رؤوس نووية دفعة واحدة، مثل صاروخ بولافا الروسي، بحيث إن رأت إحداها أنها ستتورط في حرب ضروس مدمرة مع أخرى، لجأت إلى أسلوب “فك .. وأفك”.
.
في كل الأحول فقد غدت مقولة “فك .. وافك”، ليس مجرد مقولة ساذجة، كما قد يبدو للبعض، بل صارت أحد مفردات التعامل السياسي، بعضها تكون ظاهرة للعيان، وأخرى سرية، يتم “طبخها” تحت الطاولة، ومن خلالها يتم فك الاشتباك ووقف العراك، لينتهي الخصام، ويتلاشى العداء، ويخفت أور التوتر.
والأدلة على ذلك كثيرة، من بينها المواجهة التي كانت ستحتدم في القرن الماضي، بين الولايات المتحدة من ناحية، وكوبا بالوكالة عن الاتحاد السوفيتي من الناحية الأخرى عام 1959 بعد أزمة خليج الخنازير المعروفة.
.
وفي القرن الحالي يتضح كيف تصاعد التناحر بين أمريكا وكوريا الشمالية، بشكل صار يهدد السلام العالمي، خصوصا وكوريا الشمالية لديها ما يصل إلى 60 قنبلة نووية و5 آلاف طن من الأسلحة الكيمائية .. لكن “فك .. وأفك” حضرت في 12 يونيو 2018، عندما التقى الرئيسان كيم وترامب في قمة بسنغافورة، ووقّعا بيانًا مشتركًا يدعو إلى الأمن والاستقرار والسلام الدائم.
……
ومن لطائف هذه العبارة الرشيقة، خفيفة الدم .. أنها كانت تبدأ بالتحدي – كما كنا نرى – بين شبان صغارًا، وأحيانًا بين “فتوات” الحارة أيام زمان .. بحيث كانت تنطلق شرارتها بـ كوميديا درامية لا تخلو من نرجسية (تعال – إذا فيك خير) …
لكن عندما تصل الأيدي للحلوق، وتبدأ أولى جولات “المردغة” بين الاثنين فوق صفحة الإسفلت، تحضر سريعًا (فك – وأفك).