بعيدًا عن غدر الأصحاب ومكر الأحباب لا شك بأن حادثة جدة للمغدور بندر القرهدي رحمة الله عليه وعظم مصاب أهله أثارت استياء العامة وتعاطفهم مع ذوي الضحية، وسوف نتناول بإيجاز في هذا المقال هذا الحدث من منظور نفسي وعلمي المفسر لارتكاب سلوك العنف والجريمة في المجتمعات؛ فكما نعلم بأن طبيعة البشر تتطلب تكوين علاقات وصداقات تغطي حاجة الفرد إلى الجماعة وبما أن الإنسان كائن اجتماعي ديناميكي يحتاج للتفاعل المستمر، ومن صور هذا التفاعل هو التعارف كتكوين الصداقات في محيط الأسرة أو العمل وهذا التكوين له معاييره ومحاذيره المعتبرة التي تفرض على الشخص الواعي أن ينتقي من يُخالط ومن يُصاحب، وانطلاقًا بأن الصحة النفسية عملية نسبية لدى الأشخاص وليست مطلقة؛ فقد يُصاب العديد من الأشخاص بالعديد من الاضطرابات النفسية في مراحل عمرية مختلفة، ويقعون تحت ضغوطات أو مؤثرات نفسية أو عقلية معينة مما ينتج عنهم تصرفات وردود أفعال مبالغ فيها أو لا تتناسب مع الحدث نفسه، ومن هذه الشخصيات الشخصية السيكوباتية؛ حيث يظهر هذا النوع من الاضطرابات النفسية عند عمر ١٨ عامًا تقريبًا، وقد أثبتت الدراسات العلمية بأن الذكور أكثر عُرضة للإصابة بهذا النوع من الاضطراب أكثر من الإناث، والأمر يرجع في كثير من الأحيان للعامل الوراثي، ويمكن أن يكون بسبب تعرض الشخص للصدمات النفسية الحادة في مراحل عمرية متفاوتة؛ ومن سمات الشخصية السيكوباتية بأنها تتميز بذكاء حاد للتخطيط، والبرود العاطفي، وفشل في التعلم، وتجاهل الآخرين، وإيذاء الآخرين سواء بالقول أو الفعل، والكذب المستمر، والأنانية، واللامبالاة، والثقة العمياء في النفس، وهي الشخصية التي لا يحكمها الضمير، أو الندم بعد ارتكاب الجريمة، والأشخاص الذي يحملون هذه الشخصية هم الأخطر على المجتمع، ولا يتورعون عن ارتكاب أفظع الجرائم بدون أن يهتز له جفن ويتصفون أيضًا بالخروج على سلطة القانون وخرق الأنظمة والعادات كنوع من إثبات الذات؛ وهي شخصية تميل للجريمة بصورة أكبر؛ بالإضافة إلى الاضطرابات الذهانية مثل الفصام مع تواجد هلاوس سمعية على هيئة كأوامر تأمره بتنفيذ مهام معينة أو التوهم بأن هناك أشخاصًا يتآمرون عليه فيقوم بالاعتداء عليهم بدون أسباب؛ كما أن علم النفس الجنائي يرجع إلى أن أغلب دوافع مسببات السلوك الإجرامي يقع تحت طائلة تعاطي المواد نفسية التأثير مثل: مادة الكريستال ميث والمواد المهلوسة وغيرها من هذه المواد التي تذهب العقل وتغيبه عن الصواب، وكذلك من الدوافع للجريمة والعنف هو الذي يتشكّل من خلال التربية والتنشئة، وتفكك الأسرة، وحدوث الطلاق بين الوالدين، ومعاشرة رفاق السوء، وغيرها الكثير من الدوافع والأسباب التي تؤدي إلى القتل والعنف…
وختامًا؛ رسالة لكل أفراد المجتمع بعدم الخوض بمثل هذه الجرائم، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة حتى لا يكون الأمر عاديًا، وتعزز فكرة الجريمة بداخل الجيل الناشئ، ويتأثر بها لا سمح الله مستقبلًا، وننصح بنفس الوقت بالابتعاد عن متابعة هذة المقاطع التي تترك أثرًا نفسيًا مزعجًا، وقد يصل إلى حد الأرق وصعوبة النوم وضعف الثقة بالآخرين والتشكيك في تصرفاتهم، وتخيَّل الحدث وتعميمه على مواقف مشابهه خيالية.
أخصائي أول نفسي
عضو الجمعية السعودية لعلم النفس (نفس)