المقالات

جهود نوعية للمملكة في خدمة اللغة العربية محليًا وإقليميًا وعالميًا

ممّا لا شكّ فيه، أنّ المملكة العربية السعودية، تضطلع بأدوار مهمة ومحورية، وتبذل جهودًا مشهودة ومتميزة لا تُخطئها العين لخدمة اللّغة العربية وتعزيز مكانتها ونشرها وتمكينها في الداخل والخارج، وذلك عبر تاريخها الطويل والممتد ومنذ تأسيسها، حيثُ نصّ النظام الأساسي للحكم السعودي في مادته الأولى على: “المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها الرياض”، وسبق ذلك، تسمية الدولة بعد توحيدها باسم: “المملكة العربية السعودية”، لتأتي رؤية المملكة 2030 لتتوِّج هذه الجهود وتأصّل هذا المبدأ، وتُلبّي تطلعات قيادتنا الرشيدة في العناية بالعربية، وتعزيز التواصل العلمي والمعرفي والثقافي وترسيخه، حيث أشارت إلى ترسيخ القيم.. وضرورة العناية بالثقافة العربية واللّغة العربية ونشرها، بوصفها جزءًا أساسًا من مكوِّنات الهويّة الوطنية السعودية.
ليأتي “برنامج تنمية القدرات البشرية”،
برنامج تنمية القدرات البشرية هو أحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، الذي أطلقه سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في 15 سبتمبر 2021م، بهدف تعزيز تنافسية القدرات البشرية الوطنية محليًا وعالميًا وتلبية احتياجات جميع شرائح المجتمع، من خلال تطوير رحلة تنمية القدرات البشرية؛ بداية من مرحلة الطفولة، مرورًا بالجامعات والكليات والمعاهد التقنية والمهنية، حتى الوصول إلى سوق العمل، ليُعضِّد هذه الجهود المتميزة لبلادنا الغالية ويُعزِّز هذا الدور، ولتتمكّن المملكة من إبراز مكانة اللغة العربية محليًا وإقليميًا وعالميًا، وذلك عبر جهود خارجية كبيرة ومُقدّرة، وأخرى داخلية، تتمثّل في عدد من القرارات والـتـنـظـيـمـات، والــتــي بـلـغـت 149 قــرارًا حتى عـــام 2015م، بالإضافة إلى عدد من الـقـرارات التي صـدرت خلال الفترة من عام 2015م وحتى عام 2020م؛ بهدف إبراز مكانة اللغة إقليميًا وعالميًا، والتي من أهمها:
• قرار مجلس الوزراء الصادر في عام 2018م، باعتماد “العربية” لغة التحدث الرسمية في جميع المؤتمرات والندوات التي تُنظّم داخل السعودية، بإضافة فـقـرة فـي بـنـد عـقـد المؤتـمـرات والــنــدوات بالمملكة، عـن طـريـق الـجـهـات الحكومية بمُشاركة خارجية.
• تجديد الهيئة العامّة للسياحة والتراث الوطني “وزارة السياحة” في الوقت الحالي، تأكيدها على إلـزام مرافق الإيواء السياحي، باستخدام اللغة العربية فـي التخاطب مـع العملاء؛ وذلك عبر تعميم إلحاقي فـي الشأن، حيث أصدرت “الهيئة” تعميمًا بهذا الخصوص في العام 2012م، وُزِّع عـلـى مشغلي الـقـطـاع مـن خلال فـروعـهـا فـي جميع مناطق المملكة.
• إنشاء العديد من الصروح لخدّمة لغة القرآن الكريم، منها مركز الملك عبدالله الدولي لخدّمة اللغة العربية، ومجمع اللغة العربية بمكة المكرمة على “الإنترنت”.
• هذه المسيرة الظافرة لدعم لغة القرآن الكريم ولغة الضاد، تُوِّجت بإنشاء “مجمع الملك سلمان العالمي للّغة العربية” في غرّة سبتمبر 2020م.
كما أنّ هذه الجهود، قد شملت الاهتمام بالناطقين بغير العربية، وذلك بإنشاء معاهد ومراكز خاصّة بتعليم اللغة العربية في الجامعات السعودية، انطلقت مسيرتها في عام 1388هـ / 1968م، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. لتتواصل هذه المسيرة في رحاب جامعة أم القرى بمكِّة المكرَّمة، بالأدوار التي يضطلع بها “معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها”، بوصفه جهة تعليمية ذات استقلالية، والذي بدأ باسم “معهد تعليم اللغة العربية لغير العرب”، ثم حول إلى عمادة مستقلة، تُقدِّم منحًا دراسية سنوية لأبناء المسلمين في جميع أنحاء العالم، يشتمل برنامجها الدراسي على العديد من الفوائد والمكاسب والمنافع. وتضم بعض هذه المعاهد المُتخصِّصة، أقسام لتدريب المعلمين وتأهيلهم، والتي بدورها أسهمت في كثير من الإنتاج العلمي من مؤلفات وأبحاث ودراسات لغوية تطبيقية ومؤتمرات، ولتصبح صروحًا أكاديمية رائدة، ومرجعية علمية محليًا وعالميًا، ولتقوم مؤخرًا بتطوير أعمالها بتطبيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي العالمي.
هذا بالإضافة إلى المبادرة بتأسيس عدد من الكراسي العلمية في الجامعات السعودية، لكونها عبارة عن برامج بحثية أو أكاديمية، وتعد إحدى أهم مكونات منظومة البحث العلمي الجامعي، ليس فقط من حيث تقديم التمويل اللازم لمشروعات الأبحاث والدراسات، وإنما من حيث استقطاب أفضل الباحثين العالميين، وتبني طلاب دراسات عليا (ماجستير – دكتوراة)، ممّا يُساعد في استكمال منظومة البحث العلمي في مجالات علمية مهمة، والارتقاء بها وتحسين قدرتها على الابتكار، ووضع مُخرجاتها في خدمة المجتـمع، كما تُسهم في إثراء المعرفة الإنسانية، وتطوير الفكر، والتحفــيز علــى الإبـداع والابتــكار، وخدمة قضايا التنمية المحلية والاقتصــاد الوطنــي، والقضايا المجتمعية المختلفة، وذلك بتطويـع نتائـج البحـث العلمـي، والاسـتفادة منهـا فـي هذه المجالات. هذا بالإضافة إلى عدد من الجمعيات العلمية، منها الجمعية العلمية السعودية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، التي تأسّست في عام 1433هـ، وتعنى بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وتربط بين المختصين والمهتمين بها. وكذلك الجمعية العلمية السعودية للغة العربية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، التي لها فرع نسائي بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض، والجمعية العلمية السعودية للبلاغة العربية، بجامعة أم القرى بمكَّة المكرَّمة.
وكذلك تنظيم عدد من المؤتمرات والملتقيات وورش العمل والندوات، منها الندوة العالمية الأولى في تعليم العربية للناطقين بغيرها. وتطوير المواد التعليمية والعلمية، والتي منها كتب نشرتها معاهد اللغة العربية، وكتب من إصدارات معهد تعليم اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ومنسوبيها، كذلك كتب من إصدارات معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القري ومنسوبيها، وإعداد “سلاسل تعليم اللغة للناطقين بغيرها” منذ أكثر من خمسين عامًا، مثل “العربية للجميع”، و”العربية للحياة”، و”العربية للناشئين”، وسلاسل تعليم “العربية” في الجامعات السعودية، والتي تميزت بريادتها على مستوى العالم، وذلك من خلال انتشارها الكبير فيه، حيث أصبحت تُدرس في عدد كبير من المؤسسات التعليمية من جامعات وكليات ومعاهد ومراكز ومدارس، كما تتم طباعتها خارج المملكة، في كل تركيا والبوسنة وإندونيسيا، وفي غيرها من مناطق العالم.
هذا بجانب الاهتمام بالاحتفاء باليوم العالمي للّغة العربية محليًا وعالميًا في كل عامّ، وتنظيم لعدد من المسابقات والجوائز العالمية والمحلية لتشجيع جهود الحفاظ على اللغة، والتي يبلغ عددها أكثر من عشر جوائز، تُقدر قيم جوائزها بعشرات الملايين من الريالات سنويًا، ومنها جائزة الملك فيصل العالمية، متمثلة في فرعها الخاصّ باللغة والأدب، والتي كان موضوعها في عام 2020م: “الدراسات اللغوية العربية باللغات الأخرى”، وجائزة مجمع الملك سلمان الدولي للغة العربية السنوية، وجائزة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، وكذلك جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، وجائزة مكة للتميز، والتي حصد مركز التميز البحثي في اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز، فرع التميز الثقافي لهذه “الجائزة” في العام 2020م، نظير مبادرته: “وقف لغة القرآن”، التي تسعى لتعزيز مفهوم الاستدامة المالية لمبادرات اللغة العربية. ومنها كذلك جائزة جدة للإبداع، ومسابقة شاعر عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح، وملتقى مكة الثقافي، الذي رفع شعار: “كيف نكون قدوة بلغة القرآن”؟، ممّا يؤكد الصلة الوثيقة بين اللغة العربية والدين الإسلامي. وغيرها من مناسبات وفعّاليات مُبتكرة، كالصالونات والأندية والملتقيات والمنتديات الأدبية والثقافية، المنتشرة في مختلف مدن المملكة ومناطقها، وما يتم تنظيمه من مؤتمرات وندوات ولقاءات علمية ودورات تدريبية وورش عمل في الداخل والخارج، وإعداد مراجع علمية وحقائب تدريبية، ليستفيد منها الطلاب والمعلمون والمؤلفون والباحثون والمؤسسات التعليمية، والتي تشمل كتبًا ووثائق وعددًا من المراجع العامة والمعاجم، وقوائم المفردات الشائعة، والاختبارات اللغوية المقننة وغيرها، وكذلك المساهمة في تطوير أساليب تعليم “العربية” وفق الأساليب الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية، بتسخير أحدث وسائل التقنية وتفعيل الشراكات الفاعلة، وكذلك من خلال التطبيق العملي وإعداد المعلمين وتدريبهم داخل المملكة وخارجها، وغيرها من جهود كبيرة ومشهودة، وفعاليات مثمرة، والتي منها ما لقاه إعلان سمو وزير الثقافة: “العام 2020م عامًا للخط العربي”، من تفاعل من القطاعات الثقافية التي شاركت في الاحتفاء بالخط العربي وتعزيز حضوره، كرمز للهويّة الثقافية للمملكة.
وللمملكة العربية السعودية – على الَّصعيد العالمي -، أدوار رائدة ورئيسة في إدراج اللّغة العربية ضمن اللّغات الرسمية ولغات العمل الست المُعتمدة في الجمعية العامّة للأمم المتحدة، مع مواصلة دعم خيار اعتماد “العربية” كلغة أساسية في المنظمات الدولية الأخرى، بجانب دعم المنظمات الدولية في مجال تعليم اللغة العربية، كجامعة الدول العربية، ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والـعـلـوم والثقافة “إيسيسكو، وغيرها من مراكز ومعاهد ثقافية حول العالم. كما تعمل المملكة على إشراك المنظمات والهيئات الدولية في مناسبات الاحتفال السنوي باليوم العالمي للّغة العربية، بجانب نشاطها في مجال مبادرات تأسيس كراسي علمية دولية للغة العربية والثقافة الإسلامية خارج الحدود، والتي تعد إحدى أهم مكونات منظومة البحث العلمي الجامعي.
مع حرص المملكة على مد جسور التواصل العلمي والحضاري، وذلك بتوفير منح دراسية للطلاب غير السعوديين للدراسة في الجامعات السعودية الحكومية، مع إيفاد بعثات معلمين لبعض الدول الشقيقة والصديقة، بالإضافة إلى مسارات المنح في الجامعات غير العربية التي تموِّلها المملكة. والمبادرة بإنشاء عدد من المعاهد والمدارس والمراكز الأكاديمية والكليات والأقسام الجامعية المتخصصة في الدراسات العربية والإسلامية والبحث العلمي، في بعض الجامعات العالمية المرموقة في كثير من دول العالم، وتأهيل أساتذة متخصصين لتدريس “لغة الضاد” وتيسير تعليمها وتعلّمها وبالتالي نشرها وانتشارها.
هذه المسؤولية الممتدة والجهود المتميزة للمملكة العربية السعودية، للعناية بلغة القرآن الكريم وتعزيز مكانتها والحفاظ عليها والنهوض بها، ونشرها في الداخل والخارج، والتي تُعدّ ركنًا من أركان التنوع الثقافي البشري، وتُسهم في تشكيل هويّة الدولة والمجتمع في المملكة، شملت العديد من المُنجزات النوعية الفريدة، والتي منها حرص المملكة على بذل المزيد من الجهود والعمل المستمر لتعزيز لغة الضاد محليًا، وتوسيع حلقات انتشارها عالميًا في أنحاء المعمورة، وذلك بدعم معلميها ومتعلميها.. وتقديم خدمات استشارية للجهات المختصة، ولنشهد في كل عامّ مُنجز جديد في هذا المجال، يتحدّث عن نفسه.

الملحق الثقافي بسفارة خادم الحرمين الشريفين لدى تركيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى