تواصل زاوية محطات بصحيفة “مكة” الإلكترونية الإلتقاء بأبرز الشخصيات التي لها تجارب ناجحة، وتقدمهم نموذجًا للشباب الواعد ليستفيدوا من خبراتهم التراكمية في الحياة، وكيف استطاعوا التغلب على مصاعبها رغم فارق الإمكانيات بين الأمس واليوم.
ضيفنا اليوم معالي الدكتور جمعان بن رشيد بن عبد المجيد بن رقوش، رئيس جامعة نايف للعلوم الأمنية سابقًا.. أهلًا وسهلًا فيك معالي الدكتور في هذا اللقاء عبر صحيفة “مكة” الإلكترونية.
يطيب في مستهل هذا اللقاء شكركم أستاذ حسن مقرونًا بالتحية وجميل التقدير، أن أتحت لي أيها الإعلامي النبيل هذه النافذة الإعلامية للتواصل مع قرّاء صحيفة “مكة” المميزة، والشكر أيضًا يمتد إلى رئيس تحريرها الإعلامي القدير الأستاذ/ عبدالله أحمد الزهراني، ولجميع منسوبي الصحيفة وقرائها من الأخوة والأخوات، وآمل أن يجد القارئ بين مفرداته هذا الحديث ما يوازي وقته الثمين الذي أنفقه في قراءة سطوره.
– يمر المبدع بعدد من المحطات الهامة في حياته.. ما هي أبرز ثلاث محطات في حياة معالي الدكتور جمعان بن رقوش، وما هي أبرز التحديات التي واجهته في كل محطة؟
تتواتر في حياة المرء مجموعة من المراحل تكون في نهاية المطاف تضاريس حياته، فمنها ما ترسو معالمها على ضفاف الذاكرة، ومنها ما يتلاشى في غياهب النسيان، وللإجابة على سؤالك أستاذ حسن وتحديدك الحديث عن ثلاث محطات فقط، فسأورد في هذه المساحة من الحديث ثلاثًا من محطات الحياة، شكلت فارقًا بين ما سبقها وما تلاها وهي:
الأولى: مرحلة الدراسة الجامعية.
الثانية: العمل في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
الثالثة: استراحة المحارب بعد أداء الواجب الوطني.
فالمحطة الأولى كانت دخول الحرم الجامعي الذي كان عالمًا غامض المعالم تتشابك طرقاته وتتقاطع تخصصاته، وتتجاذب أهدافه نحو محاور رسالة الجامعة، لقد كان عالمًا غريبًا على طالب ثانوي، معلوماته عن ذلك العالم شحيحة، انتقلت إلى حرم جامعة الملك عبد العزيز ولا أملك سوى ثقافة ومعارف المرحلة الثانوية، لكن سرعان ما انقشع غموض معالم ذلك العالم، وبدأت تتشكل لدي ثقافة جديدة للتعامل مع متغيرات ذلك المحيط الجديد، فألفت ما كنت أعظمه، وتناولت ما كنت أظنه صعب المنال، فأخذت مقعدي على مدرجات الجامعة العريقة، وأصبح المناخ الجامعي بما يحويه من طلبة وأساتذة وإداريين وأدواته الأخرى من المكتبات والمختبرات جزءًا لا تنفصل عراه من ارتباطي بميثاق هذا الصرح العظيم، ولا شك أن مرحلة الدراسة الجامعية تشكل إحدى المراحل والمحطات الهامة في حياة من عاشها ففيها ينتقل الطالب إلى مرحلة تعليمية مختلفة عن ما عهده في المدرسة الثانوية، ويتزامن ذلك مع النضج الانفعالي والعاطفي الذي أفرزته مرحلة المراهقة والبيئة الاجتماعية المحيطة، وهكذا كانت المحطة الأولى من الإجابة على تساؤلك الأول.
المحطة الثانية: للعمل في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، نمط وأسلوب ووسائل تختلف عن العمل في الجامعات الوطنية الأخرى، فهي مزيج من ثلاث واجهات، يجب أن تشكل أوجه الهرم الذي يحمل رسالة الجامعة، فهي جامعة عربية، تخضع لكل معايير المنظمات الدولية، وتلتزم بمواثيقها وهذه إحدى واجهات ذلك الهرم الثانية الإطار الأمني الذي يجب أن يكسو كل مخرجات الجامعة العلمية والتدريبية، أما الواجهة الثالثة فهي الواجهة العلمية للجامعة وتخصصاتها وكلياتها، لذلك من ينتمي إلى هذا الصرح بكل متغيراته وحراكه الثقافي، لا شك سيحظى بالكثير من الخبرات التي لن يجدها تحت سقف واحد في مواقع أخرى.
المحطة الثالثة: وهي استراحة المحارب؛ فالتقاعد بعد أن تقضي قرابة أربعة عقود في خدمة الوطن، وتترجل عن صهوة العمل وقد أديت الأمانة بالصدق والإيمان والإخلاص، لم تمتد يدك إلى المال العام، ولم تغريك مغريات الحرام، ولم تغمط حقوق مرؤوسيك وزملائك، ومنحت العمل حقه ومنحت الموظف حقه، فأنت حينها ستشعر بقيمة وسعادة التقاعد بعد الحياة العملية الشريفة، وهذا ولله الحمد ما حصلت عليه بفضل الله جل وعلا.
– ماذا تعني لك كل محطة؟ وماذا قدمت لك؟
ج: كل محطة لها معالمها ومسؤولياتها ومستوياتها، ومدى توافقها مع إمكانات المرء للخروج منها بإيجابيات تفوق السلبيات لأنها دون شك ستكون عاملًا هامًا يسهم في نجاح المرء في خوض المرحلة القادمة فالأولى تعني ولوج بوابة علمية مختلفة عن ما قد ولجته من أبواب في التعليم العام؛ فشعرت حينها بأنني أملك صوتًا علميًا مستقلًا يستطيع أن يحاور الآخر، وأن يكون إضافة موفقة في أي حوار داخل المدرج الجامعي وخارجه.
أما الثانية فكانت تجربة علمية وإدارية ناجحة امتدت فيها عناصر الخبرة إلى الاتجاهات الثلاثة حتى أضحت تستعمرالذاكرة، وتجلل الحديث عند ما يكون هناك مناسبة تستدعي ذلك.
وتأتي الثالثة لتتوج أداءك وإنتاجك، فهي انعكاس لما قدمته فإن كنت من الذين حفظوا الأمانة وأدوها كما يجب وترفعوا عن مباهج الفساد، فحتمًا ستجد سعادة التقاعد لا يشبهها سعادة وهذا ولله الحمد ما وجدته في محطة التقاعد.
– ما هي أقرب هذه المحطات إلى نفسك؟ ولماذا؟
لكل محطة من محطات الحياة نكهة مختلفة، تشكل انعكاسًا للتضاريس النفسية لتلك المرحلة، فيخبو بعضها، ويتلألأ البعض الآخر، وبما أنني أوردت ثلاث محطات في هذا اللقاء بناء على تحديدك أستاذ حسن، فإنني أضع أقربها أحدثها، فهي محطة امتلكت فيها جل وقتي، وأعدت فيها ترميم علاقاتي الاجتماعية التي زاحمتها متطلبات العمل ومسؤولياته، واطمأننت وفاضت المشاعر سعادة بما قدمته في خدمة الوطن بنزاهة وإخلاص، أرضيت بها ربي ثم قيادتي ونفسي.
– ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في كل محطة؟ وكيف استطعت التغلّب عليها ؟
كل محطة في حياة الإنسان لها تضاريسها الخاصة تتضمن بعض المنعطفات الصعبة، لكنها لا تدوم مع الإيمان بالخروج من النفق، والإصرار والعزيمة لعبور النهر الذي يفصلك عن الشاطئ المقابل، فمتى ما كانت العزيمة وقود المرء في رحلته نحو أهدافه، فحتمًا سيتجاوز في مسيرته كل العوائق، ولعل اندفاع أحصنة في سباق الحواجز وانطلاقتها نحو الهدف يضعف أهمية تلك الحواجز في نظرها، وتتجاوزها الأحصنة بسهولة.
. – من أبرز الشخصيات التي تستذكرها في كل محطة وماذا قدمت لك؟
الشخصيات التي رافقت ذاكرتي في تلك المحطات كثيرة جدًا، وبسؤالك هذا أستاذ حسن تضعني تحت طائلة اللوم وسهام العتب من الأصدقاء والأحبة الذين جاوروني على مقاعد تلك القاطرة، وأنا أحسن الظن بهم، وبسماحتهم فلعلهم يغفرون لي محدودية المساحة ووهن الذاكرة، واحترامًا لميثاق السؤال أذكر في المحطة الأولى والدي الشيخ رشيد بن عبد المجيد بن رقوش -رحمه الله- وأنزله الفردوس الأعلى من الجنة فقد كان النبراس الأجمل في مسيرة حياتي، وكان الحريص والمتابع لمسيرتي الدراسية في كل مراحلها، وكذلك أستاذي وصديقي معالي الوزير عبدالعزيز خوجة الذي كان عميدًا لكلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز آنذاك.
أما في المحطة الثانية فكان صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز غفر الله له وأنزله الفردوس الأعلى من الجنة، لقد كان الانتماء لمدرسة نايف بن عبد العزيز مفخرة يسعى إليها كل طموح، ومن يتعامل معه عن كثب سيجد الكثير والكثير من ما يجهله الإعلام عنه -رحمه الله- إنه جامعة فوق قدمين.
.- كيف تصف تجربتك في جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية؟
تجربتي في جامعة نايف سفر مليء بكل ما يحلم به المرء من معارف وتجارب وإعلام وأساليب إدارية وأكاديمية متطورة، فجامعة نايف نافذة على العالم أبصرنا من خلالها عن كثب تجارب عالمية مختلفة في المجالات الأمنية والأكاديمية والدبلوماسية.
– ما هي أبرز مخرجات الجامعة؟
هناك الكثير من القيادات الأمنية في المملكة والعالم العربي هم من خريجي جامعة نايف حملوا معهم تجارب ونظريات متطورة في المجالات الأمنية كانت من دعائم نجاحهم في أداء مسؤولياتهم الجسام.
– كيف ترى مستقبل الجامعة؟
مستقبل الجامعة واعد؛ فهي قناة علمية أمنية استطاعت تأهيل الكثير من القيادات الأمنية على خريطة العمل الأمني العربي، ولديها الكثير من الخطط والبرامج الناجحة التي ستسهم في بناء جيل أمني عربي واعد.
– لكم الكثير من الذكريات مع الأمير نايف بن عبد العزيز -يرحمه الله- حدثنا عن أبرز تلك المواقف؟
الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله- لا يفيه عدة أسطر بل عدة أسفار تقصر عن أن تفي بجزء من ذلك، فهو محيط متلاطم من الإنسانية وجبل شامخ أشم عند الحزم والصرامة، لا يقبل -رحمه الله- أنصاف الحلول في الأمن، حليم حتى تظنه لا يعرف الغضب، ودود حتى تجزم أنه لا يعرف الكراهية، فكل من كان قريبًا منه -رحمه الله- وأنا أحدهم لم نره يومًا جارحًا لمشاعر مخطئًا دون عمد، قارئ جيد لكل التفاصيل، أما المواقف الجميلة التي لا تتلاشى من الذاكرة فهي كثيرة، منها ماله علاقة بالشأن الأمني الداخلي ومنها ما هو ذو علاقة بالشأن الأمني العربي، فلقد تخرج من جامعة نايف أعداد كثيرة جدًا من القيادات الأمنية المحلية والعربية على نفقة سموه الخاصة، وهذا لا شك كان محل تقدير الكثير من القيادات السياسية العربية التي كانت تصلنا منهم مباشرة في اللقاءات الأمنية الدولية والعربية، ولضيق المساحة في هذا المقام أذكر أحد توجيهاته الطريفة، ففي إحدى المناسبات قدمت له -رحمه الله- بعض المعاملات الرسمية للتوقيع عليها وكان واقفًا قبل صعوده السيارة، فنزعت قلمي وجعلت غطاءه في مؤخرة القلم، وقدمته له للتوقيع، فقال لي مبتسمًا -رحمه الله- عندما تقدم قلمك يادكتور لأحد اجعل غطاءه في يدك لتضمن عودته إلى جيبك، غفر الله له لم أستطع حصر من قدم لنا التعازي في وفاته من الخليج والعالم العربي والمسؤولين الأمنيين في بعض دول العالم، والمنظمات الدولية.
– الدكتور جمعان بن رقوش عاش في بيت مشيخة وأسرة ذات مكانة ما مدى تأثير هذه الأسرة على حياتك؟
أسرتي رحم الله من غادرها إلى الرفيق الأعلى وحفظ الأحياء منهم أسرة كبيرة خدمت القبيلة أبًا عن جد وهذه مسؤولية تتولاها بالتوارث وتتشرف الأسرة بأدائها سواءً كانت تشاورًا، أو إصلاحًا لذات البين، أو تواصلًا مع القيادة والدولة، إيمانًا منها بمسؤولياتها في خدمة القبيلة التي تصب بالناتج المُضاف في مصلحة الدولة، وتعزز قيم الوحدة الوطنية، ولعلك أستاذ حسن تشاركني الثقة، أن من يعيش في أسرة تحمل تلك المسؤوليات، لن يعدم الخبرة والاستفادة من كل منحنيات وتقاطعات الأحداث وانعكاساتها على كل المفاهيم الثقافية التي يؤمن بها المجتمع المحلي، وبالتأكيد ستُشكل دعمًا نفسيًا وسلوكيًا وثقافيًا لأبنائها.
– هل أنت مع نظام الثلاثة فصول أو النظام السابق فصلين؟
. لا يمكن الحكم على صلاحية النظام التعليمي من خلال عدد الفصول الدراسية، فعددها يفرضه النظام التعليمي (فلكل قفل مفتاحه، ولكل قصيدة قافيتها) ومن نافلة القول: إن أنظمة التعليم في العالم متنوعة، وهي السلم الحقيقي الذي يرتقي عليه الوطن لرؤية أفق مستقبله.
ولعل في التنافس السوفيتي – الأمريكي لغزو الفضاء مثالًا لأهمية نظم التعليم في ارتقاء القمم وتحقيق الأهداف، فحين سبق السفويت الأمريكان في غزو الفضاء، ألقى الرئيس الأمريكي ( john F. kenedy ) باللائمة على نظام التعليم الأمريكي في حينه، وعندما غيروا نظامهم التعليمي فاقوا السوفيت، لذلك فالتعليم لدينا مر بعدة تجارب لا نستطيع الحكم بإخفاقها أو بنجاحها، إلا من خلال دراسة علمية تتبعية تمتد إلى كل مساحة العمل التربوي، عندها يمكن استقطاب نظام تعليمي ثبت نجاح مخرجاته.
ولا شك أن تقصي معالم ونتائج الأنظمة التعليمية العالمية متاح لمن أراد ذلك، فالحصول على أفضلها بعد تقييمها وتكييفها على البيئة الأكاديمية والثقافية السعودية، سيسهم في تطوير الأداء الوطني العام بكل محاوره وأبعاده.
– كيف ترى قرارات مجلس الوزراء الأخيرة بخصوص دعم البحث العلمي؟
بالتأكيد قرارات مجلس الوزراء الخاصة بدعم البحث العلمي هي المفتاح الذهبي لبوابة التنمية، وزاد السفر لعبور قنطرة الرحلة إلى عالم المستقبل الواعد الذي اختطت الرؤية الوطنية خارطة الطريق إليه، فمن الثابت والمؤكد أن تقدم الدول وتطورها مرتبط ارتباطًا مباشرًا، بحجم الإنفاق الحكومي والخاص على البحث العلمي.
– ماذا ينقص الجامعات السعودية؟
تعتمد الجامعات السعودية في ميزانيتها على موارد الدولة، لذلك تمتلك الكثير من الدعم المالي المباشر، ولديها مدن أفقية جامعية قلما تتواجد في كثير من الدول، وأخشى أن يأتي اليوم الذي تكون فيه هذه المدن الجامعية عبئًا ثقيلًا ترهق صيانته وترميماته ونفقات تشغيله، ميزانية الجامعة عند استقلالها المالي التام، ففي ظل الاتجاه العالمي لإتمام البرامج الأكاديمية والتدريبية، فإن على الجامعات السعودية أن تذهب قدمًا في التخطيط لمواكبة أنظمة التعليم عن بُعد التي بدأت تغزو كثيرًا من الجامعات العالمية، كما أن توسيع دائرة الاهتمام بالجانب البحثي في أروقة الجامعات السعودية، سينعكس بالنتيجة على تطوير أدوات التنمية، فهو النافذة التي تتلمس من خلالها الجامعات منحنيات سوق العمل الوطني واستدامة مقوماته.
– مانصيحة الدكتور جمعان للجيل الواعد ومستقبل الوطن المشرق؟
نصيحتي للجيل الواعد أن عليهم النظر إلى الخروج من الجامعة قبل الدخول إلى الجامعة، فاختيار التخصص يجب أن يعتمد على معرفة مستهدفات الرؤية الوطنية، ففيها خريطة وملامح العمل المستقبلي، ومساحة كل تخصص، وحدود كل احتياج، كي لا يجد الخريج نفسه خارج دائرة احتياجات الخريطة الوطنية لسوق العمل السعودي.
.- بماذا تريد أن تختم هذا اللقاء؟
. الوطن بُني بدماء وعرق أجدادنا وآبائنا وأسلافنا خلف قيادة المؤسس -طيب الله ثراه-، وأبنائه البررة من بعده، وما وصلنا إليه اليوم مفخرة نعتز بالوصول إليها في هذا الوقت القصير من عمر الأمم، فلم تكن الطريق إليه سهلة وميسرة، بل كان خلف ذلك الكثير من الصعاب والنفقات، لذلك المحافظة عليه وعلى أمنه واجب ديني ودنيوي يجب عدم التفريط فيه.. حفظ الله القيادة والوطن وشعبه.