المقالات

نعم للكباري لا للأنفاق !!

نعيش هذه الأيام ربما في بداية فصل الشتاء وما أدراك ما الشتاء بظواهره الطبيعية إلا ما طرأ من تطورات على هذه الظواهر الكونية من تغيرات مناخية على مستوى الكرة الأرضية التي نحن جزء منها وما جعلني اكتب عن هذه المقالة أنني تذكرت الماضي قبل ما يزيد عن نصف قرن تقريبا كيف كانت حياتنا وكيف كانت مدارسنا والطرق المؤدية لها وحالات الجو التي كنا نعيشها في القرى بمنطقة الباحة ولن ألتفت لحالة البؤس وشظف الحياة ونحن ندرس في المرحلة الابتدائية في الثمانينات هجرية فهي أشد وأنكأ جرحا عندما كنا نجلس على الخوص وما يسمونه بـ ” الحنبل ” الذي يفترش الأرض الترابية في مقر المدرسة الذي كان يتموضع في بيت شيخ القبيلة رحمه الله وهو عبارة عن بيت من الحجر والخشب والطين وبعض الفواصل بين الصفوف الدراسية الستة التي لم تكن تحجب أصوات المعلمين وأصوات الطلاب المتداخلة بسبب عدم وجود فواصل مصمتة فكنا نعيش كل الصفوف ونتقاسم كل الدروس في وقت واحد على مدار ساعات الدوام وقل ما شئت من حالتنا التي يرثى لها وعلى رأسها أننا صغار في السن وملابسنا وأحذيتنا ومتطلبات حياتنا لا تسر ومع هذا كنا نحرص على الذهاب للمدرسة رغم كل المعوقات المادية والعينية .

ثم أتذكر أننا كنا نختبر لنهاية المرحلة الابتدائية بعد الصف السادس في قرية تبعد عن مقر السكن ربما بما يقرب من خمسة عشر كيلو متر وسنّنا لا يزيد عن اثنتي عشرة سنة تقريبا إلم تكن أقل وكنا نذهب للاختبار في قرية ” رهوة البر ” ولظروف البعد سكنا جميعنا في مجلس منزل بالقرب من مقر الاختبارات حتى انتهت مدة الاختبار عدنا لبيوتنا وكأننا أتينا من مدينة بعيدة وليست قرية ربما نقطعها اليوم بحكم الطرق المعبدة في أقل من عشر دقائق وليس هنا بيت القصيد فالشرح قد يطول ولكن ما أنا بصدده أننا انتقلنا بعد المرحلة الابتدائية للدراسة في المرحلة المتوسطة وكانت الوحيدة وقتها متوسطة الظفير التي تبعد عن مقر قرانا قرابة عشرين كيلو مترا في طريق يخترق الأودية والجبال والغابات ومنها غابة رغدان التي تحولت اليوم إلى منتزه فنمر بعدة قرى تجمع بين قرى من زهران وجاراتها في غامد حتى نصل للمدرسة .

أتذكر أننا كنا مجموعة من الطلاب في هذا السن نتوافد للمتوسطة بقرية الظفير نقطع المسافة بالساعات سيرا على الأقدام نحمل كتبنا على ظهورنا وبعض الزاد لعدم وجود مقاصف ولا مطاعم عدا فرن للتميس لأحد أهالي الظفير رحمه الله ومع ذلك فقد لا نملك قيمة حبة التميس فيشترك فيها طالبان يأكلانها في كأس شاي أحيانا يكون مشتركا بينهما أيضا وأتذكر جيدا أننا كنا نلاقي ما نلاقي من شدة البرد في الشتاء الذي كان يستمر لأشهر قد تصل لأربعة أشهر وأكثر مع وجود الضباب الكثيف الراكد وسقوط الأمطار بشدة وجريات الأودية وكثر السيول ومع أن بيوتنا كانت متشابهة الغني والفقير يسكنون في بيوت شعبية مبنية من الحجارة والخشب والطين ومع تساوي حالات الناس المادية إلا أننا كنا نحرص على الذهاب للمدرسة رغم المشقة وإذا تأخرنا عن بداية الدوام فالعقاب عند باب المدرسة فوري من المراقبين رحم الله من مات منهم وسامحهم إذ كانوا لا يقبلون العذر فيضربوننا رغم البرودة التي في أجسادنا وبالذات في كفوفنا إلا أنهم كانوا يشددون علينا بعدم الغياب مهما كان السبب وكانوا يستدعون أولياء أمورنا لمعرفة أسباب الغياب بل ويأخذون التعهدات اللازمة ويحملونهم مسؤولية غيابنا عن المدرسة وآباؤنا يشكرونهم على هذا ويؤيدونهم على ممارسة عقابنا سواء على الغياب أو على ما يخص تعليمنا من واجبات لا تخفى على الجميع ولم يكن لدينا ولا لديهم أي مطامع سوى أننا نتعلم دون النظر للمستقبل .

لا نعرف توقف الدراسة كما يسمونه اليوم ” تعليق الدراسة ” المرتبط بما يصدر عن الأرصاد الجوية بعد تطور العلم ومراكز التنبؤ التي تخطئ وتصيب لذا أقترح بأن تكون الدراسة في فصل الشتاء كاملاً من العام القادم تكون عن بعد .
طبعاً من المسلّم به أن هذه الظواهر الكونية وراءها من يعلم سرها ومسيرها هو الله الذي يعلم مفاتيح الغيب الخمسة التي تحدث عنها القرآن بقوله تعالى ” إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت … الآية سبحانه وتعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ومع هذا فنحن نؤمن بأن للعلم سلطانه ولكن مما ظهر جليا أن الدراسة علقت في أيام لم يسقط فيها المطر إلا بصورة متقطعة وخفيفة قد لا تؤدي لتعطيل المدارس والجامعات نعم الاحترازات ضرورية حتى لا تزهق أرواح بسبب السيول التي لم تعرف طريقها لسوء البنى التحتية التي لم تنته من عشرات السنين وبالذات تصريف مياه الأمطار ومشاريع الصرف الصحي في المدن اكتب هذا المقال ووسائل التواصل تتناقل نشر موضوعين لهما عشرات السنين منشوران في الصحف أحدهما حول منشور عام 1376هـ طلب من اهل الرس تعليق الدراسة لأن المدرسة تهدم جزء منها وجاهم الرد من التعليم ببرقية مفادها : حاولوا الدراسة ما أمكن ولو بأحواش المدرسة والاتصال بمالك المدرسة للإسراع بترميمها .. انتهى

أما المنشور الثاني فهو تصريح لأحد المسؤولين في مدينة جدة مع صورته تحت زاوية بعنوان ” المزيد من التقدم والترفيه .. وعنوان الخبر حسب المصدر الناشر في غرة ربيع الثاني عام 1400هـ يقول : سيبدأ قريبا العمل في مشروع تصريف مياه الأمطار – ولم يذكر الصرف الصحي – ويشمل عدد من الشوارع الرئيسية وسط مدينة جدة ويستمر العمل في هذا المشروع لمدة ستة شهور ويضيف بقوله : الجدير بالذكر نه قد تم الانتهاء من الكثير من القنوات الرئيسية لتصريف مياه الأمطار خارج مدينة جدة وقد بلغت تكلفتها ستمائة مليون ريال .. انتهى

لن أعلق بقدر ما تقارنون بين المنشورين وما هو حاصل اليوم ولن تكون البقية في العدد القادم بقدر ما نودعكم على أمل أن يعود الطلاب والطالبات للدراسة وأن نرى تصريف مياه الأمطار قد تحقق ولو أنه بعد ثلاثة وأربعين عام من زمن هذا المنشور وسلامتكم .

إنعطاف قلم :

يا أمانة جدة ويا مصلحة المياه ويا كل من له علاقة بهندسة المدن وتخطيطها ويا كل من شاهد نتائج الأمطار وما آلت إليه الأنفاق المنفذة في الشوارع الرئيسة أعتقد بل أجزم أن إنشاء أنفاق في جدة غير مجدٍ البتة وأن الكباري هي الأكثر جدوى سواء من حيث التكلفة المادية أو من حيث المواصفات أو من حيث خدمتها للصالح العام وأن الأنفاق لا تصلح إلا لاختراق الجبال كما هو معمول به في بعض المناطق للضرورة .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button