وقع الاختيار على يوم (18 ديسمبر) بالتحديد للاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية؛ لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي رقم 3190 بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة، وذاك نزولًا على اقتراح المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية خلال عقد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، وقد احتفلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) للمرة الأولى باليوم العالمي للغة العربية في 2012، وكرَّست هذا التاريخ السنوي لإبراز إرث اللغة العربية ومساهمتها العظيمة في الحضارة الإنسانية.
وتم تنظيم الاحتفال باليوم العالمي للغة هذا العام (2022) بالتعاون مع الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونيسكو، وبالشراكة مع مجمع الملك سلمان للغة العربية تحت شعار : “مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية”، وتعد اللغة العربية ركنًا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم، إذ يتكلمها يوميًا ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان الدول العربية والعديد من السكان في المناطق الأخرى المجاورة؛ كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان وإيران، وغيرها، إلى جانب العديد من الأشخاص في مناطق عدة في العالم باعتبارها لغة ثانية، أو لغة تم تعلمها وإجادتها.
وتتفرد اللغة العربية عن غيرها من اللغات بأنها لغة التفرد والخيال والقوة والشغف، وبكثرة مرادفاتها، ووجود أحرف فريدة فيها لا يوجد مثيل لها باللغات الأخرى، وبأنها اللغة الوحيدة التي تحتوي على حرف “الضاد”، ولذلك تسمى لغة الضاد. كما تتميز بكونها من اللغات التي تحمل الكثير من الألفاظ التي لها أكثر من معنى، وتتميز أيضًا بمظاهر الجمال، مثل: المجاز والطباق والجناس والمقابلة والسجع والتشبيه، وتحتل اللغة العربية المركز الرابع من حيث الانتشار، كما تحتل المركز الثالث من حيث عدد الدول التي تعترف بها كلغة رسمية، والمركز الرابع من حيث عدد مستخدميها على الإنترنت.
وتستمد اللغة العربية قيمتها الكبيرة من ارتباطها الوثيق بالإسلام فهي لغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة، وبها يتم تفسير آيات القرآن الكريم، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها.
كما أن اللغة العربية هي أحد أهم العوام المشتركة بين البلاد العربية حتى إنها تسمى البلاد العربية نسبة لوحدة اللغة، فهي من مقومات وحدة الأمّة ووجودها الفعلي.
ولعل من أجل نعم الله على أمة الإسلام – كما يذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – نعمة القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين. قال تعالى: “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ”. ويرى المفكر العربي الأمريكي الكبير د. إدوارد سعيد إن اللغة العربية هي أحد أعظم إنتاجات العقل البشري”.
وقد تأسس مَجْمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (34) بتاريخ 13 محرم 1442هـ الموافق 1 سبتمبر 2020 م، ليكون منطلقًا؛ لتعزيز دور اللغة العربية إقليميًا وعالميًا، وإبراز قيمتها المعبّرة عن العُمق اللغوي للثقافة العربية والإسلامية، وليكون مرجعية علمية على المستوى الوطني فيما يتعلق باللغة العربية وعلومها، وليسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030.
ومن بين أهداف الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية هي أن يتم لفت انتباه العالم كله إلى واحدة من بين أفضل اللغات التي كان لها أكبر الأثر في نهضة الغرب، من خلال ترجمة ما وصل له علماء العرب من أبحاث في كافة العلوم والفنون والثقافة. ذلك أنه لم يقتصر دور العربية على إنتاج الأدب والتاريخ وكتب العلوم التي بدأت بالازدهار في بغداد والأندلس، بل كان للعربية دور الوسيط الحافظ والضامن للفلسفات والعلوم الرياضية والفلكية القديمة، وهو ما أقرت الأمم المتحدة به، وهي في صدد شرح سبب الاحتفال بيوم عالمي للعربية، فقالت: إن العربية ساعدت في نقل العلوم والمعارف والفلسفات اليونانية والرومانية إلى القارة الأوروبية، في عصر النهضة.
واللغة العربية هي أقدم اللغات السامية، بل هي أم اللغات السامية، وأول من تحدث بها سيدنا إسماعيل عليه السلام قبل نحو أربعة آلاف عام.
وهي من اللغات الأربع الأكثر استخدامًا في الإنترنت، وأكثر انتشارًا ونموّا أكثر من اللغات الأخرى، كما أنها لغة الشعائر الرئيسية لدى العديد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي.
وقد أعلى القرآن الكريم من شأن اللغة العربية، من ذلك قوله تعالى:
(إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
(وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)
(قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
(إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
(بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّـمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْـحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)، وآيات أخرى كثيرة.
إن جمال اللغة العربية ورشاقة ألفاظها وبيانها الساحر جعل منها لغة العذوبة والجمال في الشعر والنثر، وهو ما عبَّر عنه شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.
وقديمًا قالت العرب: “إن من البيان لسحرًا”.
وإننا لنتهز فرصة الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، لنعيد الاقتراح باستخدام الفصحى كلغة للحوار والتخاطب فيما بيننا، خاصة في مؤسساتنا التعليمية والإعلامية وفي المحافل الدولية، فهي الوسيلة الأجدى في الحفاظ على لغتنا الجميلة وتنميتها وانتشارها.