المقالات

الوعي والتعليم عن بُعد

من الأوقات المناسبة للحُكم على قوة ومتانة منظومةٍ ما هو أوقات الأزمات، ولعل “جائحة كورونا” الأخيرة أظهرت لنا جانباً مشرِقاً من الجوانب المتميزة التي تنِضّ بها مؤسساتنا الحكومية..

هذه الإشراقة تُؤكّد وتُؤصّل فينا جميعاً الفخر والاعتزاز بمؤسساتنا الحكومية، والثقة فيها، والاطمئنان على مستقبلنا والأجيال من بعدنا، والوعي بذلك حصانة ورصانة.
فالجهود الحثيثة التي بذلتها وتبذلها وزارة التعليم مثلاً، وما أتاحته من منصاتٍ تعليمية، وقنواتٍ.. هي بحق مفخرة، وأي منجزة تلك!.
فمنصة “مدرستي” التي أثبتت نجاحها، وأثبت المعلمون والمعلمات كفاءتهم للتعامل مع الحالات الطارئة، واستجابتهم لمتطلبات المرحلة، مع تبنّي بلادنا للتحول التقني، وتسهيل الخدمات، وتوفيرها حيث كان المستفيد، ومتى أراد.

هذه المنصة تُؤكد لنا اليوم جاهزيتها وجاهزية منسوبي التعليم لأداء مهامهم في أي وقت، وحال.
فغزارة الأمطار وموجات الغبار لن تَحُول دون تعليمنا، وأداء مهامنا، فالبديل جاهز، وعلى قدرٍ من الجاهزية والكفاءة النوعية.. لكن يبقى وعي الأسرة، في تكامل الأدوار، وتحقيق الأهداف، وإدراك المسؤولية الملقاة، والمهام المنوطة والمنتظَرة..

الأسرة مؤسسة تربوية، وشريكُ نجاحٍ، وصاحبةُ مشروعٍ، يُنتظَر منها الكثيرَ والكثيرَ، فالانتقال للتعليم عن بُعد، وعبر المنصة التعليمية (مدرستي) هو نفسه التعليم الذي سيكون في المدرسة الحضورية، بيد أن هذا التعليم سيكون موجهاً للطالب في بيته؛ حرصاً على سلامته وسلامة منسوبي التعليم، والدروس المباشرة، والنقاشات، والأنشطة، والمشاركات، والاختبارات كلها كنظيراتها في التعليم الحضوري..

وتفاعل الطلاب مع المنصة التعليمية، ومشاركتهم، وقبل ذلك الاستعداد الجيد، من نوم مبكر، وتهيؤ جسمي ونفسي وتقني قبل وقت المنصة، واصطحاب كافة مستلزمات الدرس مؤشرات على جدية الطالب، ومتابعة الأسرة له، كما أن متابعتها له تتطلب قُرباً منه، وسؤالاً عما أخذ، وما استفاد، والجديد، ونوع المهام التي كُلّف بها، والواجبات المطلوبة منه، استشعاراً ووعياً..

في التعليم عن بُعد يبدو شيءٌ من مستوى الأسرة الثقافي، ووجود الطالب خلف شاشة الجهاز يتابع ويشارك ويتفاعل دليلٌ على ثقافة علمية وتقنية، وحس تربوي، واستشعار للمسؤولية، كما أن تطعيم الطالب بثقافة ووقاية حول “الأمن السبراني” والمخاطر المحتملة مما يزيده وعياً وحذراً.

إن أحاديثنا الإيجابية في الأسرة والجلسات الجانبية وأروقة المجتمع مؤشرات يتلقّفها الطالب، ويبني عليها، بل ويُحاكِم تصرفاته في ضوئها.. واستشعارنا لأهمية هذه الأحاديث، ووعينا بأبعاد تلك التأثيرات والمؤثرات.. هو نابع من إيمانٍ واطمئنانٍ في جهاز عظيم بحجم وزارة التعليم وإداراتها ومكاتبها ومدارسها، وثقة راسخة في أولئك المربين والمربيات.

إن مسؤولية الأسرة لا تقتصر على انتظام الدراسة الافتراضية، وحضور الطالب، ووجوده خلف الشاشة، بل يُعوّل على تلك المسؤولية فيما وراء ذلك، من متابعة نشاط الطالب التقني أثناء سير دروس المنصة، وتعزيز دافعيته نحو التعلم، وغرس حب العلم، وما عسى أن يُحدِثه ذلك من توجيه اهتماماته نحو التعلم الذاتي، والانتفاع من مصادره المتنوعة..
فالوعي بأهمية التعلّم الذاتي، وتأصيل (مبدإ نتعلّم لنَعلَم، لنَعمَل، لنكُون..) هو من أهم أسباب نجاح التعليم عن بُعد.

الوعي الذي ننشُده ونُعوّل عليه نرجو أن يُسهِم في إيقاد (دافعية وثّابة وإرادة جازمة) تجتث ما يعيق الوصول للإتقان في الأداء، والنوعية في الناتج، والمنافسة على التميز، فاليوم قد تشُد أزر فلذة كبدك، وتُعينه، وتُرشده، وغداً سيكون قائد نفسه، وصاحب قراره، يُنتظَر منه قبل أن ينتظِر منك؛ فعوّده المسؤولية اليوم؛ ليعتادها غداً..

إن نشر الوعي ورفعه والتأكيد عليه.. مسؤوليتنا جميعاً، والفرح المشروع مشروع، وإيصال رسالة ذات قيمة للطالب في مثل هذه الأوقات تُؤكِّد الحاجةَ للتعليم، وتُبرز الجهود، وتُعزّز الولاء، وعي ورُقي.

الوعي بمنجزات بلادنا ومقدراتها ومؤسساتها نابع من وعينا بأنفسنا، ودورنا في خدمة وطننا، ومسؤوليتنا تجاه أُسرنا ومجتمعنا، ومقابلة منا لإحسان تلك الجهات بالشكر والتقدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button