لعل أبرز حدثين شهدهما العام المنصرم (2022) الحرب الروسية – الأوكرانية، وانعكاساتها الاقتصادية الكارثية التي تمثَّلت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالطاقة والغذاء، فضلًا عن الارتفاع الكبير في نسب التضخم، ولجوء المصارف المركزية إلى رفع مستويات الفائدة مما أدى إلى ارتفاع في معدلات الديون وانهيارًا بأسواق الأسهم العالمية. أما الحدث الثاني والأكبر على مستوى العالم، فهو كأس العالم لكرة القدم الذي أقيم في قطر، حيث كانت المرة الأولى التي تستضيف فيها دولة عربية كأس العالم، والأولى التي يتأهل فيها فريق أفريقي (المغرب). هذا على الصعيد العالمي، أما على الصعيد الإقليمي فكانت أهم الأحداث زيارة الرئيسين الأمريكي والصيني بايدن وشي جين بينغ إلى السعودية، وقمة المناخ (كوب 27) في مصر، وعودة نتنياهو لرئاسة الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل. يمكن القول استنادًا إلى ما سبق لم يكن العام 2022 عامًا سوداويًا بشكل عام، وإنما هناك مؤشرات إلى أن العام 2023 سيكون أكثر اضطرابًا اقتصاديًا، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي يبدو من الواضح أنها ستستمر في العام 2023.
أما الظاهرة الملفتة التي فرضت نفسها خلال العام – والمتوقع أن تزداد رسوخًا في العام الحالي – فتمثلت في إظهار القادة في الدول النامية والصاعدة من نيودلهي إلى نيروبي توجهًا ظهر بشكل واضح في رفض العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا. وإظهار معارضة للولايات المتحدة في محاولة فرض سياسات وإملاءات عليها، ورفضها – بشكل عام – اللعب وفقًا للقواعد الأمريكية، وإظهار بدلًا من ذلك، ثقة متزايدة في تأكيد مصالحها الاستراتيجية بدلًا من مصالح واشنطن والغرب، وذلك كنتيجة طبيعية لصعود العديد من تلك الدول إلى مستويات عُليا من التقدم والتميز والاعتماد على الذات، وظهور تحالفات عالمية جديدة أوجدت تحديات جديدة لواشنطن والغرب.
فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، ومع وجود خمس دول عربية – سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا – في مراحل مختلفة من عدم الاستقرار، سيظل العالم العربي مصدرًا للتوتر، باستثناء بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية. وتردي الوضع الاقتصادي في الأردن قد يوجد بعض التحديات والاضطرابات الأمنية. بالنسبة لمصر فإن توقعات البنك الدولي بزيادة معدل النمو إلى 4% أعطى بصيصًا من الأمل في أن تتخطى مصر أزمتها الاقتصادية، ويمكن القول بشكل عام، واستنادًا إلى التقارير الدولية، أن الواقع الاقتصادي السائد في الدول العربية غير النفطية سيئ للغاية اليوم ولا يبدو أنه سيتحسن مستقبلًا ما لم تتوفر سياسات وطنية ناجعة وظروف دولية مواتية، وطبقًا لإحصائيات “إسكوا” فقد ناهز عدد الفقراء في العالم العربي اليوم 130 مليون شخص، وتوقع التقرير أن يتواصل ارتفاع هذا العدد خلال عامي 2023 و2024 ليصل إلى 36% من مجموع سكان الدول العربية (أي أكثر من ثلث السكان). في الاتجاه نفسه خلصت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتباطأ خلال عام 2023.
أما بالنسبة للقوتين غير العربيتين في المنطقة – إيران وإسرائيل- فمع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الحكم، تواجه إدارة بايدن الآن الحكومة اليمينية الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، والتي من المرجح أن تتسبب في تصاعد خطير للتوترات بشأن القضية الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني، ومن السهل توقع ازدياد موجة العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل حكومة نتنياهو الأشد تطرفًا في تاريخ إسرائيل، وهو ما سيضع السلطة الفلسطينية في مأزق حقيقي؛ لأنها ستجد نفسها واقعة بين سندان تمادي سلطات الاحتلال والمستوطنين وبين مطرقة التنسيق الأمني، إلا أن المؤكد أن إسرائيل ستواجه وضعًا سياسيًا حرجًا ناتجًا عن الانتصارات القانونية الجديدة التي من المتوقع لدولة فلسطين تحقيقها في العام الجديد، وقد يكون التقارب الجديد بين حماس وسوريا إرضاءً لطهران، لكن بينما يرى نتنياهو أن إيران هي العدو الأكبر لإسرائيل، لأن الفلسطينيين عدو دائم ومزمن لإسرائيل، فإن وزيره للأمن القومي “بن غفير” يرى أن الفلسطينيين هم العدو الأكبر لإسرائيل، لذا ينظر العديد من المراقبين بترقب شديد إلى أي مواجهة جديدة بين إسرائيل وحماس، وعما إذا كانت واشنطن والقاهرة ستلعبان الدور نفسه – كما في المواجهة السابقة- لوقف النار. بالنسبة لنتنياهو، فمعروف أنه جعل التهديد النووي الإيراني موضوعه المميز، ولا بد من التذكير هنا بقوله في أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2022: “لقد عدت إلى المنصب … لسبب رئيسي واحد، لأفعل كل ما في وسعي لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية”، وربما أن الظروف الآن مواتية لنتنياهو أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ظل الأوضاع السائدة في إيران التي تدل على مدى تدهورها بشكل عام، حيث تشهد البلاد حالة من التراجعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية على كافة المستويات الخاصة والعامة.