المقالات

لا مساعدات بلا شروط

تُعد المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في الأعمال الإنسانية والإغاثية والتنموية على مستوى دول العالم، حيث دأبت على مد يد العون والمساعدة الإنسانية للدول العربية والإسلامية والصديقة، للإسهام في التخفيف من معاناتها، حتى سجلت أولوية بمبادراتها المستمرة في المساعدات والأعمال الإنسانية، بحسب التقارير الصادرة من المنظماتٍ العالمية ذات الصلة، وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر دولة تقدم مساعدات تنموية للدول النامية من حيث نسبة ما تقدمه من عون إنمائي إلى إجمالي ناتجها القومي، وذلك انطلاقًا من دورها الريادي في مساعدة الدول وتعزيز جهودها لدفع مسيرتها التنموية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية؛ وخاصة بالنسبة للدول الأقل نموًا والأشد فقرًا، مما جعل المملكة في مقدمة الدول المانحة على الصعيدين العالمي والإقليمي.
وقد نجحت المملكة العربية السعودية في ظل الأوضاع والأحداث التي تشهدها العديد من المناطق حول العالم، في تقديم المساعدات الخيرية والإنسانية والإغاثية والتنموية لتحسين حياة الشعوب، وقد بلغ قيمة ما قدمته المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من 86 مليار دولار كمساعدات إنسانية استفادت منها 81 دولة.

وقد دأبت المملكة طيلة الفترة الماضية على تقديم مساعداتها المالية وقروضها ومنحها وودائعها للدول بلا شروط، حتى شعرت بأن الوقت قد حان لفرض شروطها للتأكد من أن تلك المساعدات تحقق الغاية منها، وحرصًا على أن تذهب في المشاريع التنموية التي تصب في مصلحة المواطن في تلك الدول، واعتبر وزير المالية السعودي محمد الجدعان على هامش منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا مؤخرًا بأن المملكة “اعتادت تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات”، في إشارة إلى أن تقديم تلك المساعدات يتطلب القيام بإصلاحات اقتصادية في البلاد التي تحتاج هذه المساعدات، ومعنى ذلك أن عهد المساعدات بدون أي شروط قد ولى من غير رجعة وأن المملكة العربية السعودية لن تُقدم مساعدات دون أن تشاهد إصلاحات حقيقية، وجاءت إشارة معاليه إلى الاقتداء بالمملكة في إصلاح وتطوير اقتصادها بدءًا من فرض ضرائب، بمثابة دعوة لتلك الدول في بذل جهود أكبر من أجل التوصل إلى حلول ناجحة لمشكلاتها الاقتصادية. فقد استطاعت المملكة، خلال وقت قياسي، بناء قاعدة اقتصادية متينة، والمحافظة على الاستقرار والنمو الاقتصادي دون الاعتماد على النفط كمصدر أساسي، كما كان في العقود الماضية، مستغلة في ذلك مواردها الطبيعية، وموقعها الجغرافي والحضاري بين قارات العالم الثلاث. كما أن خطوة إعادة تطوير الاقتصاد وتنويعه، يعد من أنجح الخطوات الإصلاحية التي وعد بتنفيذها وتحقيقها مهندس رؤية سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان (2030)، حيث سعت حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى تطوير الاقتصاد وتنويعه، وتخفيف الاعتماد على النفط، من خلال إطلاق العديد من الإصـــلاحات الاقتصادية والمالية، التي استهدفت تحويل هيكل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد متنوع ومستدام، مبني على تعزيز الإنتاجية، ورفع إسهام القطاع الخاص.
ويعتبر تصريح معالي وزير المالية بمثابة تغيير دراماتيكي وتحول هام في السياسة الاقتصادية السعودية، لكنه يتماشى مع رؤية 2030 التي تضع في أولوياتها المصلحة الوطنية ومصلحة المواطن السعودي، بعد أن اتضح أن الكثير من هذه المساعدات (غير المشروطة) لا تصل إلى الجهات التي تستحقها في أحيان كثيرة، ومن حق السعودية أن تفرض تلك الشروط وأن تتحقق من الجهات التي تذهب إليها تلك المساعدات، خاصة بعد أن اتضح أن تلك المساعدات – رغم سخائها- لم تسهم في حل الأزمات الاقتصادية في تلك الدول التي أصبحت تتفاقم بشكل متزايد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى