تراود فكرة تملك منزل الأحلام، الكثير من الأفراد رجالًا ونساءً، ويعد هذا الحلم التحدي الكبير في حياة الغالبية منهم إن لم يكن كلهم؛ حيث يبقى شراء أو بناء منزل العمر حلمًا يسعى كل منَّا إلى تحقيقه طوال حياته، وغالبًا ما يكون هذا الحلم هو الهدف الثاني الذي يتطلع إليه الفرد بعد تكوين الأسرة.
إلا أنه وللأسف الشديد بات تحقيق هذا الحلم لا يخلو من الضغوطات النفسية والمادية في معظم الأحيان؛ حيث أصبح امتلاك منزل العمر يتطلب عملًا دؤوبًا لسنوات عديدة، رغم تكاليف البناء الباهظة والتي تعد معضلة كبيرة ربما تقف حائلًا بيننا وبين تحقيق ذلك الحلم؛ فلك أن تتخيَّل كيف يستطيع من راتبه لا يتجاوز الخمسة أو الستة آلاف ريال بناء منزل العمر إذا كان هذا المبلغ لا يكفي لدفع مصاريف الحياة اليومية الضرورية ناهيك عن الالتزامات الأخرى التي باتت تفقد الفرد راتبه منذ الأسبوع الأوَّل من استلامه !
وأمام كل هذه الصعوبات والتحديات التي يواجهها الفرد في امتلاك منزل العمر، والتي من أهمها ارتفاع أسعار الأراضي التي تجاوزت في بعض المدن الأرقام المليونية، وكذلك غلاء مواد البناء الإنشائية فقد اتجه غالبية المواطنين لشراء المنازل الجاهزة عن طريق المسوقين والمطورين العقاريين؛ خاصة بعد تلك التسهيلات المفخخة التي تقدمها بعض البنوك التجارية للعملاء من خلال تقسيط تلك المنازل عليهم لسنوات قد تصل إلى ربع قرن من الزمان، وبأسعار مضاعفة رضخوا لها من أجل امتلاك منازل العُمر التي سرعان ما اكتشفوا بعد شرائها بوقت قصير أنها ليست منازل العمر إنما هي (كراتين العُمر)، بل إن البعض أطلق عليها (بناء البسكويت) أو (فلل الكراتين) نسبة إلى ضعفها وتشققها وتصدعها، نظرًا لرداءة مواد البناء المستخدمة فيها، وأساساتها الإنشائية التي تفتقد لأبسط الفنيات الهندسية واستخدام التجار لأرخص المواد ثمنًا حتى يستطيعوا جني أرباح عالية من تلك الكراتين.
وما حادثة غرق أحد مشاريع الإسكان في مدينة الرياض عنَّا ببعيد؛ حيث لم يدر في خلد المواطن المغلوب على أمره أن امتلاكه لمنزل العمر في هذا المشروع سيكون طريقًا جديدًا لمشكلات غير متوقعة في حياته، وأنه سيطرق أبوابًا عدة لإنهاء معاناته مع أزمة جديدة تبخرت معها الأحلام على أرض الواقع بعد هطول الأمطار بغزارة مؤخرًا، والتي باتت جهاز كشف رباني للعديد من المشاريع الحكومية والخاصة التي طالتها يد الفساد؛ فحرمت كل من اشترى داخل نطاق هذا المشروع أو غيره من مشاريع الفساد من تحقيق الحلم الذي اعتقد كل من امتلك فيه منزلًا أنه سيكون المحطة الأخيرة لتأمين مسكن العائلة، لكنه في الحقيقة بات بداية لمأساة جديدة تمثلت في ضياع تحويشة العمر وضياع الحلم مع أول قطرة مطر نزلت فوق سطحه !
وختام القول فإن الغالبية العظمى من المواطنين يفتقرون إلى الارشادات والتوجيهات اللازمة المتعلقة بأمور البناء، عند الإقدام على تحقيق الحلم المنتظر سواء كان ذلك بالبناء أو بشراء المنازل الجاهزة من المسوقين لها، وبالتالي فإن النتائج قد لا تنتهي بشكل سار، ففي كثير من الأحيان ينتهي بهم المطاف إلى الوقوع كضحية في شراك مقاولين غير أكفاء، الأمر الذي تسبب في العديد من المشكلات، سواء على صعيد الاتفاقات المبرمة بين الطرفين أو حتى على صعيد مخططات البناء والمواد الإنشائية ومستوى التكلفة والجودة. مما يجعلنا ندعو إلى إيجاد إدارة معنية في البحوث المتعلقة في المساكن من أجل البحث عن طرق بناء قليلة التكاليف وذات جودة عالية تُسهم في حل مشكلة الإسكان، وتمكن الأفراد من بناء بيت العمر وامتلاكه قبل مغادرة هذه الحياة الدنيا.
وخزة قلم:
صندوق ضيق محكم الإغلاق خير من كرتون واسع سهل الإغراق؟!