يحكى أن..
في أسواق جدة القديمة.. دكان الكبابجي ودكان الحلاق متجاوران ..
وهكذا الحال قديماً..
فليس هناك فرق بين الحداد والصائغ .. والنجار والمنجّد.. والخياط .. وبياع الفواكه .. والعطار..
يسكن في دكاننا الأول (الكبابجي) فأر كبير الحجم .. واسع الدهاء..
عينه تبرق من الصحة والعافية والنعيم..
في ليلة ما ..زار فأرنا هذا دكان الحلاق..
يستطلع الأجواء حول مسكنه وينعم بهدوء وسكينة الليل ..
وبُعد الأعداء من القطط والمصائد..
تقابل فجأة بفأر آخر .. نحيل الجسم منهك القوى..
يسير في خفة لا يحمل فيها الوزن .. ينام في هدوء
ولا يتحرك ليخرج كثيراً .. فهو آمن في مكانه..
نظر إليه الفأر الكبير قائلاً: ما هذا ؟! هل أنت من بني فأر؟
أو من جنس آخر ..!!؟
ما هذا الهُزال والكسل والتراخي وعدم حب العمل ..!!؟
ارتعد الفأر المسكين .. وقال: اقسم لك أنني منكم..
من عشيرتكم وقومكم .. وبما يكون جدنا واحد .. وأمنا واحدة..
سأل الفأر الكبير: ماذا تأكل؟ وكيف تعيش؟
قال الفأر النحيل: إني أضع ذيلي في هذه الزجاجة لأخرج منها الزيت وأضعه على المسن الذي يستعمله الحلاق لسن الموس .. إنه لذيذ ومكتفي بهذا ..
أما كيف أنام .. هذا مكاني..
نظر الفأر الكبير فرأى مخلفات من أوراق الجرائد ..
قال له: ما هذا ؟
أوراق جرائد فيها صور الحروب والمآسي والأخبار الحزينة!!
حقاً إنها حياة لا تطاق..
أدعوك الليلة معي إلى وليمة في دكان الكبابجي..
وأجعلك تشاهد كيف أنام فوق الكنوز من الدنانير والدراهم والليرات والدولارات..
والصور الأثرية للبلاد المختلفة..
ذهباَ سوياً إلى مخبأة ورحّب به.. كشف عن الأوراق النقدية المختلفة ..
تساءل الفأر الصغير ..
كيف تتحصل على هذه الأنواع من الأموال النقدية المختلفة؟
وعرف أن رواد المكان من جنسيات مختلفة..
عندما يؤدون فريضة الحج يستعملون النقد المختلف..
وما يتبقى منها في الأدراج يتحصل عليه الفأر الكبير ويضعه ليكون مكان بيته ومسكنه..
أتى الليل وقال فأرنا الكبير : سنبدأ جولتنا الآن..
أرجو أن تنال وجبة شهية هذه الليلة .. ويمكن لنا أن نقيم سوياً..
فالخير وفير والأكل كثير والليل طويل..
عند المدخل بدأ الفأر الكبير يُعطي التعليمات والتوجيهات قائلاً: هذا اللون الأبيض اسمه سم الفئران .. لا يغررك لونه .. هنا مصيدة فيها قطعة لحم.. ولكن حذار من أن تقترب منها ..
في هذا المكان عليك أن تقفز .. لأن هذا اللون الأصفر عليه غراء يعقبه مصيدة من نوع آخر..
وهكذا مضى وقت طويل حتى توصل إلى مبتغاه..
وقال له الآن نبدأ.. ارتعد الفأر الصغير وقال: من أين المخرج؟
قال الفأر الكبير: لا عليك.. فإني أعرف كل الحيل والمخارج..
تمتّع بالأكل .. واللحم والشحم .. وبقايا الخبز.. واشرب من هذا الإناء..
أكلاَ .. وهمّا بالخروج وإذا به ينتصب الفأر الكبير ليُعطي التعليمات ..(( من هنا .. من هناك .. إحذر .. اقفز..)) حتى وصلا بر الأمان..
فقال الفأر الكبير: هل سررت اليوم برفقتي ..؟
لقد أكلت ما لم تأكله من قبل..
قال الفأر الصغير: يا أخي إنها حياة رعب وخوف .. وهلع وشقاء..
أرجوك لا تقترب منّي فإني أفضل أن:
ألحـــس مسنّــي وأبـات متهنّـــي