المقالات

مختال

في سماء الفكر نحتاج لسمو في التفكير، وتحت السماء وفي مختلف نواحي الثرى نحتاج للتواضع في التعامل مع الآخرين. وفي الحياة عموماً نحتاج إلى الكثير من اللين مع الخلق. فالمتعلم الحقيقي، والمثقف الحقيقي، والأديب الحقيقي من يخفض جناح الاحترام للكبير ويخفض جناح العطف للصغير، والرحمة والمحبة لهما على حد سواء. وأن نبتعد عن التشدق في الكلام العائق عن مبدأ الحوار الهادف، وأن لا نظهر أننا وكأننا في أبراج عالية؛ لامتلاكنا بعض المعارف والعلوم، وأن نتمسك بالقيم الصادقة في مجمل حياتنا العابرة، وأن لانشذ عن المقاصد السامية. فالواثق من نفسه، والواثق من علمه، والواثق من عمق ثقافته يزداد حبا وتواضعاً لا غروراً ولا كبرا. وأن لا نرى العجب ينهش في عقولنا؛ لكثرة اطلاعنا وسعة معرفتنا فلم نؤتى من العلم إلا قليلاً، وأن لاتأخذنا الخيلاء في علم حصلنا عليه فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، فالغطرسة والاختيال والعظمة أدوات ضعف لا يحتاجها إلا من اتصف بالكبر والنقص. وصاحب هذه الصفة الذميمة لديه شعور غريب يحسسه أنه ذلك العظيم الكبير وغيره من الخلائق صغار جداً بل لايكاد يراهم للأسف. وهذا الإحساس خادع زائف ويزداد سوءاً حين يحتقر الآخرين ويحاول الاستعلاء عليهم، ويظهر ذلك جلياً في سلوكياته غير السوية وألفاظه العقيمة أمام جمع من الورى.

وحقيقة أنت تكذب حين تتدعي المعرفة وأنت بلا مبادئ، وأنت تكذب حين تزعم الفهم السليم وأنت بلا قيم، وأنت تكذب حين تتشدق بالفضيلة وأنت بينك وبينها مسافات بعيدة. ليس من سار في مقدمة الركب أصبح صاحب علم فريد، وليس من حادث وجيه صار صاحب رأي ثاقب، وليس من جالس عزيز بات من علية القوم. تتعب حينما تظن أنك المفكر الملهم وأنت لم تقدم ما يشار له بالبنان فهذه مصيبة وإن حصل ذلك فالمفكرين الكبار لا تكبر في أعينهم منجزاتهم مهما كانت، وأنت لم يسجل لك الابتكار النادر مع العلماء، وأصحاب الموهبة وإن كان.. فلا يجتمع العلم والكبر أبدا في جوف رجل، وأنت لم تذكر في يوم مع الإبداع والمبدعين ومع ذلك وحتى لو ذكرت فمهلا فلست بأولهم ولا آخرهم. قاتل الله الوهم فقد اعتراه من أعلاه حتى أطرافه، قاتل الله العجب فقد أحاط به من كل جانب، قاتل الله الغرور فقد أطبق على عمق أنفاسه. مسكين من ظن أنه وحيد زمانه، مسكين من أعتقد أنه الفريد في صفاته، مسكين من يرى الناس بمعايير مختلفة. نسأل الله السلامة والشفاء معا من كل عجب، نسأل الله السلامة والعافية من كل غرور، نسأل الله السلامة والعافية من كل كبر. إن من المهم على الإنسان أي إنسان في هذا الكون أن يحمد على نعمه وآلائه، وأن لايغتر في نفسه لموهبة وهبها الله إياه، أو لمال سخره الله له، أو لمنصب حباه الله به، فالنعم تستوجب الشكر والحمد؛ لكي تدوم ومن لا يأخذ من الآخرين العظة والعبرة فقد أشق عمره وقلبه الذي في صدره وفقط سيقال عنه يوماً مر من هنا فما ينفع الناس يبقى في ذاكرتهم، وما يؤذيهم مع أول لحظات الرحيل تنسى مجمل تفاصيله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى