في مثل هذه الأيام الغائمة، وبينما كنت أستمع بين وآخر لصوت المطر، وأغنياته، وأحاديث السمر فيه، تناهى إلى مسمعي آراء مختلفة من الأصدقاء ومن أحبهم حول تأثير الجمال على أرواحهم، فمنهم من يعزز المطر فيه شعور الحزن، ومنهم ما يذكي فيه الحنين، ومشاعر أخرى متفاوتة، يستثيرها هذا الغيم الهاطل الفرح.
في محاولة لاستكشاف الفرق في القراءة البصرية والشعورية للإنسان حينما يستشعر الجمال في الطبيعة والبيئة، توصلت إلى أن الحدث الجميل يمكن قراءته دائمًا بشكل مختلف ومتنوع، وذلك لتنوع مشاعرنا واختلاف أفكارنا وظروفنا، وطرق التفكير التي نعكس فيها هذا المتغير الخارجي الواحد، فنتفق على جمالية المطر وشجن القطرات وموسيقية صوتها مرة على زجاج سيارة، أو شباك مجاور، أو حتى حين يداهمنا دون مظلات تقينا، فتتغير المواعيد حتى يتوقف، ويحضر الانتظار الجميل الذي نتوقف فيه عن الركض خلف الحياة، لنستمع إلى حديثها المؤثر على طرقنا وملابسنا وحتّى أفكارنا..
حتى أحاول طرح شمولية أعلى من فكرة المطر، لا شك أن الجمال بكافة أنواعه يستثير فينا المشاعر المختلفة، لكن ما يحيرني هو مدى ارتباط الجمال بشعور الحزن، أو الحنين.
عامًا بعد آخر، لربما أصبحنا نبتعد عن طفولتنا الضاحكة التي تصافح الماء بسعادة، وسط زجر أهالينا ونداء أمهاتنا حول أثر البلل وعلاقته بالمرض والزكام، والآن بعد كل تلك السنين بندوبها وشواغلها، لم يعد كل أولئك الأطفال يفرحون ويسعدون كما كانوا، لم يتغير الماء ولا الهواء ولا ديمة مرت وهطلت، وأنما نحن من أصبحنا أكثر تعقيدًا من بساطة السعادة التي كانت تسكننا لأهون الأسباب لأنها جمال، والجمال يثير السعادة.
ما أجمل أن نستحضر بوجود الجمال أنه رسالة حب وسلام، وربما يكون اعتذارً يطوي ألمًا أو حنينًا أو فقدا..
يرمم جرح الجفاء، ويذيب كبرياء الجمود، ويذكرنا كيف كنّا سعداء حينما كانت البساطة شعار قراراتنا..
ما أروع أن نستعيد بالمطر وبالجمال ما كنّا عليه، مع احتفاظنا بكل ما يجعل سعادتنا دائمة ومحميّة عمّا ينغصها من لواعج الفكر، وخطوب الأيام.
0