المقالات

غوائل العلم

انتشر في الآونة الأخيرة ما يُسمى بـ (الغوغائيين) وهم الذين يقولون ما لا يعلمون، وفي كل تخصص حاضرون، وفي كل علم فاهمون …. أشكالهم للأسف كثيرة، وأبرزهم يكون ما بين صنفين هما؛ مُتعلم عرف مادة، وربط علمها، فظن أنه الخبير بها، فظل يُقدمها بل يُقدسها، كأن الباطل والخطأ لا يأتيها من بين يديها ولامن خلفها…. فإذا أضفت له شيئًا لم يعرفه أخذت العزة بالإثم، فلا مصادر ولا مراجع تقنعه، فحسبة مبلغه من العلم …
والآخر نصف مُثقف يُقحم نفسه في كل ملاحظة عابرة أو بالأصح في كل حديث هامشي جانبي ليس في جوهر الموضوع الذي يتناوله الباحث كأنه يضاهيه أو يساويه ويجاريه..
هؤلاء وغيرهم كثروا للأسف من مُدعي العلم، وراكبي مطية الشعر، وخطباء آخر الزمان، وعلماء في كل ميدان، ونسوا قول الله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) …
من وجهة نظري لعل من أهم الأسباب في هذه الظاهرة الادعائية هي أن الشخص المُدعي يعلم أنه (فارغ) فيضطر إلى المكابرة وإلى المُهاترة………نحن نعلم جميعاً أن ادعاء العلم مرض، وهو نقيصة أو مثلبة، فالنقاش معهم عقيم وفية مُعاناة أكثر بكثير من إفهام الجاهل، لإن الجاهل إذا سأل تواضع، وهو يعرف قدرك، فيبحث عن فائدته، بينما لا يقبل ذلك الرأس المُكابر أي جديد، فهو شخص أحب نفسه وأقنعها بإنها محور العلم الذي عُرف به، فيتحدث بثقة مُطلقة، وغالباً ما يرفع صوته مُدلًا بنفسه، ويرفض من يخالفه في الرأي حتى لو تسلح ذاك بالمراجع والدلائل والوثائق…
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف نتعامل معهم؟!
كيف تتعامل مع من يقفز بك عن الحقائق، ليلعب في ساحة أخرى، أو ينقلك إلى مسارب بعيدة، وفي ردوده يبحث عن أناة أكثر من أنه يُنصت أو يتعلم أو يقتنع..
على الصعيد الفردي فالحل الأسلم هو تجاهلهم حتى يعرفوا قدر أنفسهم … لكن للأسف انصدمنا أن تجاهلهم زادهم كبراً وطًغياناً، فأصبحوا يجيشون أفراداً سلموا عقولهم لهم.. وآمنوا بأقوالهم وطبقوا أفعالهم …. وتمادى بهم الأمر إلى أن يبيعوا الوهم في مواقع إلكترونية عبر باقات خُزعبيلة أطلقوا عليها صباحية ومسائية وغيرها من الباقات بآلاف الريالات….. مُجرد خصم القيمة المالية من حسابه البنكي، يحدث إسقاط نجمي على رأسه فتتفعل الباقة ذاتياً!!! نسأل الله السلامة ……
الله جل في علاه أمرنا في كتابة الحكيم بإعمال العقل ولس تسليمة في أكثر من 50 موضع!!
إعماله أي تفنيد المعلومات والتبصر بها والتمعن في بواطنها، وإرجاعها للقرآن الكريم والسنة النبوية، ثم نقبلها أو نرفضها… وكذلك الدولة حفظها الله وحفظ حكامها دفعت مليارات الريالات لوزارة التعليم لتُنشأ أفراداً مُفكرين وعلماء لتدفع بهم عجلة التنمية وصولاً لتمثيل اسم الدولة في مصاف الدول المتقدمة…
وهؤلاء بوهمهم يعودون بنا إلى عصور الظلام والشعوذة والخُزعبلات … لذلك على الصعيد المجتمعي يتطلب منا وقفة جادة وحازمة، وذلك بإقصائهم وتعرية أفكارهم أمام الملأ … حتى لا يستمروا ببث سمومهم الفكرية…

ختاماً: أقول ما قاله الحسن بن هانئ..
فُقل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً، وغابت عنك أشياء

د. نجوى بنت ذياب المطيري

دكتوراه أصول التربية بجامعة المجمعة - مجلس شؤون الأسرة

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مقال رائع يستحق التأمل لما فيه من قوة البلاغة والعلم وقراءة الواقع .. سلمت يمينك دكتوره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى