المقالات

فتيني.. وكأس الشاي

قصة ملهمة رواها أ.د. عبدالله فتيني ملخصها:
( أنه مرَّ ببائعة في إحدى بسطات الشاي المنتشرة على الطرقات إذ ناولها كأسة شاي زجاجية لتملأها، لكنه تراجع عندما لم يجد نقودا في جيبه، فيما أصرت تلك السيدة الفاضلة على عدم إعادتها فارغه – دونما مقابل- هنا كانت المكافأة المجزية (200 ريال)؛ تذكر أنها مخبأة فناولها دونما تردد لتكون لها بمثابة الهدية الربانية لقاء صدقها وكرمها الفياض ( إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا)!!
لم تكن – بالنسبة لي قصة عابرة- بل راودتني عدة معاني سامية وجدتها بين ثنايا هذه اللفتات الكريمة من طرفي الموقف الجميل الذي ينم عن النبل وصفاء النية وحسن التعامل، أورد طرفا منها:
⁃ إن العمل مهما كان بسيطا فإنه بابٌ من أبواب الرزق المشرعة التي يفتح الله من خلالها للإنسان مالم يحتسب!!
⁃ الكرم لا يستلزم أن يكون الشخص ذا مالٍ وفير، فـ (الجـــــود من الموجود)، وإن قلَّ فوقعه كبير ومردوده أعظم من قيمته المادية!!
⁃ لنا في حديث النبي ﷺ الذي رواه مسلم:( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) منطلقا للعلاقات الإنسانية المتسمة بالعمق ومراعاة المشاعر والتلطف والبعد عن التعالي في التعامل، بل إن للابتسامة معنى جليلا في فتح آفاقٍ من البساطة والعفوية والنبل التي تنقلنا لمجالٍ أوسع من الأخذ والعطاء المتوازن التي هي قوام الحياة المتسقة مع الأخلاق الإسلامية( أحاسنكم أحاسنكم أخلاقا)!
⁃ الكرم الروحي منطلق لكرم ذات اليد لتعطي دون حساب، لتمنح الآخرين ما تملك- وإن كان بهم خصاصة- لتؤثر على ذاتها بيقين بأن ما عند الله خير وأبقى!
⁃ قد تتحول المواقف المحرجة لمواقف لطف إنسانية يجد فيها الإنسان لذة وفرحاً عندما يكتشف أنها كانت تسخيرا لأن تكون تفريجا للآخر أو أن تكون سببا في إدخال السرور لمن ضاقت به السبل!!
⁃ الباعة على الطرقات – في الغالب- ليسوا ممن يتاجرون تكثراً بل كفافاً، لذا يتوجب علينا أن نكون أكرم من أن نضيق الخناق عليهم في تنزيل الأسعار، لأن ( المماكسة) أو المناقصة في الثمن تهضم حقهم في مقابل ما يبذلونه من جهد وعناء ونصب مع الانتظار طويلا في لهيب الشمس الحارقة أو البرد القارس- بحسب الأجواء- متغيبين عن أسرهم لعلهم يعودون لهم ببعض ما يتطلبونه من مستلزمات ضرورية!!
⁃ النساء شقائق الرجال، فهنَّ – على أي حال – الدعم والقوة الكامنة إن لم تكن الخارقة التي نستمد منها العون في مناحي الحياة بل هنَّ الحياة ذاتها.. لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالحة))؛ رواه مسلم. ولذا فإن شراكتها لا تتوقف على منحى معين بل في شتى فنون الحياة ومجالاتها المتعددة!!
⁃ الكرم الذي يتخذ طابعا تماثلياً؛ مزايدة أو مباهاة يفقد معناه ليتحول لـ (وزر وإثم عظيم) كنوع من ( الرياء) بدلا من أن يكون ذا قيمة دينية أخلاقية، ولذا نجد – وإن كان ندرة لا يعتد بها – ممن ينشدون الثناء والشهرة لا يحمدون على فِعالهم بل يمقتون ويُذمون.. وعلى نياتكم ترزقون، وأيضا تؤجرون!!
⁃ وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإنه خطر ببالي حكاية أحد الأصدقاء المقربين إذ يروي عن والده: أن شخصاً كان مشهوراً بالكرم لم يكن يتكلف لأضيافه بل لم يكن يعتذر لما يقدمه من طعام( قلَّ أو كثر) في إشارة إلى أنه لم يرد المفاخرة أو الرياء أو طلب المدح والشهرة بقدر ما كان يقدم ما يسد الرمق ويطفيء لهيب الجوع للمارة وسالكي الطريق الذي كان يسكن بجواره. وهذا الأصل في الكرم الروحي المنبثق من سخاء ونبل وصفاء نية وحسن طوية!!
⁃ مما يذكر فيشكر الموقف النبيل للدكتور عبدالله فتيني ولتلك السيدة الفاضلة الذي تبادلوا أثناءه الكرم والعطاء والنبل بكل عفوية غير متكلفة بل بطبع جميل وفاء بوفاء.. إذ لم يتردد من دفع مبلغ كبير(200) مقابل كأس بـ(2 ريال) وكأنما ضاعف السعر(100 ضعف)، فما بالك بكرم الله الذي يضاعف الأجور (700 ضعف)، كـ عرض مغري: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 261]، وبالتأكيد سيخلف الله عليه خيرا مما أنفق؛ رزقا أو بركة أو عائدا غير متوقع؛ ذلك وعدٌ لا يخلف {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبإ : 39].
إشراقة قلم: ذكر قصة ملهمة كـ هذه أو نشر تبرع خيَّر معين على سبيل التشجيع على فعل مماثل أو ليفتح مجالاً لأعمال خير منافسة لا تأتي في (باب الرياء) بل تأتي كمبادرات تفتح آفاقا من الخير والصلاح!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى