تكفَّل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم، ووُفِّق سبحانه الصحابة رضوان الله عليهم لكتابته في المصاحف، وعلَّموا القرآن مَنْ جاء بعدهم كما تعلَّمُوه من نبيِّهم عليه الصلاة والسلام، واستمرَّ المسلمون يتعلَّمُون القرآن ويحفظونه جيلًا بعد جيل، ويقرؤونه كما كان يقرؤه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبح معجزة خالدة باقية إلى يوم القيامة.
وتأثر كثير من غير المسلمين بالقرآن الكريم لأنه كلام رب العالمين وهو معجز بلفظه ومعناه، ويدخل مباشرة إلى القلوب والأرواح وهو خطاب رباني تتقبله الفطرة السليمة بكل يسر وسهولة والقصص كثيرة في تأثير القرآن على غير المسلمين ولكن سأذكر قليلاً منها ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق كان ” الوليد بن المُغيرة” من أفصَحِ العرب وأشعَرهِم، وأحد قادة المشركين وساداتهم في العصر الجاهلي، ووالد الصحابيين خالد بن الوليد، والوليد بن الوليد رضي الله عنهما، وكان من أشد أعداء الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعداء الإسلام، وقد مَرَّ على النبي في المسجد الحرام وهو يقرأ من سورة غافر، بسم الله الرحمن الرحيم:(حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
وكان الوليد يسمع قراءة النّبي، فَفَطِن له (أي انتبه) رسول الله؛ فأعاد الآيات التي قرأها، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه؛ وقال: “والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛ ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن؛ والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه”.
وفي بيعة العقبة الأُولى دار حوار بين النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ونفر من خزرج المدينة – وكانوا ستَّة نفر: قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ أنتم؟» قالوا: نفر من الخزرج. قال: «من موالي اليهود؟» – أي: حلفائهم – قالوا: نعم. قال: «أفلا تجلسون أكلِّمكم؟» قالوا: بلى. فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله تعالى، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فآمنوا وصدَّقوا.
وبعد ذلك أرسل النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم مصعبَ بنَ عميرٍ، وعبدَ اللهِ ابنَ أمِّ مكتومٍ رضي الله عنهما إلى المدينة؛ ليعلِّما النَّاسَ القرآن.
وورد في كتاب المنتظم لابن الجوزي رحمه الله أن ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺃﻛﺜﻢ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﺗﻘﻠﺪﻩ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻳﺠﻠﺲ ﻟﻠﻨﻈﺮ، ﻓﺪﺧﻞ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﺣﺴﻦ اﻟﻮﺟﻪ، ﻃﻴﺐ اﻟﺮاﺋﺤﺔ، ﺣﺴﻦ اﻟﺜﻮﺏ، ﻓﺘﻜﻠﻢ ﻓﺄﺣﺴﻦ اﻟﻜﻼﻡ، ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻘﻮﺽ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺩﻋﺎﻩ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺇﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ. ﻗﺎﻝ: ﺃﺳﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺃﻓﻌﻞ ﻟﻚ ﻭﺃﺻﻨﻊ. ﻓﻘﺎﻝ: ﺩﻳﻨﻲ ﻭﺩﻳﻦ ﺁﺑﺎﺋﻲ ﻓﻼ ﺗﻜﺸﻔﻨﻲ.
ﻓﺘﺮﻛﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ﺟﺎءﻧﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ، ﻓﺄﺣﺴﻦ اﻟﻜﻼﻡ، ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻘﻮﺽ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺩﻋﺎﻩ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻟﺴﺖ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ. ﻗﺎﻝ: ﺃﻱ ﺷﻲء ﺩﻋﺎﻙ ﺇﻟﻰ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻋﺮﺿﺘﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﺄﺑﻴﺖ؟ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﺃﺣﺴﻦ اﻟﺨﻂ، ﻓﻤﻀﻴﺖ ﻓﻜﺘﺒﺖ ﺛﻼﺙ ﻧﺴﺦ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺭاﺓ، ﻓﺰﺩﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻧﻘﺼﺖ ﻭﺃﺩﺧﻠﺘﻬﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ، ﻓﺒﻌﺘﻬﺎ، ﻓﺎﺷﺘﺮﻳﺖ. ﻗﺎﻝ: ﻭﻛﺘﺒﺖ ﺛﻼﺙ ﻧﺴﺦ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ، ﻓﺰﺩﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻧﻘﺼﺖ ﻓﺄﺩﺧﻠﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻓﺎﺷﺘﺮﻳﺖ ﻣﻨﻲ. ﻗﺎﻝ: ﻭﻋﻤﺪﺕ ﺇﻟﻰ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻜﺘﺒﺖ ﺛﻼﺙ ﻧﺴﺦ ﻓﺰﺩﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻧﻘﺼﺖ، ﻭﺃﺩﺧﻠﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻮﺭاﻗﻴﻦ، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺗﺼﻔﺤﻮﻫﺎ ﻗﺮﺅﻭا اﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻭاﻟﻨﻘﺼﺎﻥ ﻭﺭﻣﻮا ﺑﻬﺎ، ﻓﻌﻠﻤﺖ ﺃﻥ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﺤﻔﻮﻅ، ﻓﻜﺎﻥ ﺳﺒﺐ ﺇﺳﻼﻣﻲ.
ﻓﺤﺠﺠﺖ ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﻓﺤﺪﺛﺘﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻣﺼﺪاﻕ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ – ﻋﺰ ﻭﺟﻞ. ﻗﻠﺖ: ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻮﺿﻊ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ – ﻋﺰ ﻭﺟﻞ – ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺭاﺓ ﻭاﻹﻧﺠﻴﻞ: (ﺑﻤﺎ اﺳﺘﺤﻔﻈﻮا ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻬﺪاء). [ اﻟﻤﺎﺋﺪﺓ: 44].
ﻓﺠﻌﻞ ﺣﻔﻈﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻓﻀﺎﻉ، ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ: (ﺇﻧﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺬﻛﺮ ﻭﺇﻧﺎ ﻟﻪ ﻟﺤﺎﻓﻈﻮﻥ). [ اﻟﺤﺠﺮ 9].
ﻓﺤﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻀﻊ، وأفحم الله وتحدى به الإنس والجان والفصحاء والبلغاء على أن يأتوا بمثله أو بسورة أو آية منه فعجزوا عن ذلك.
0