المقالات

الحقيقة المغدورة بين باركنسون بوتين وكوكائين زيلنسكي

قال صاحبي: مرَّ عام على الحرب الروسية الأوكرانية، سخر فيها كل طرف وسائل الاتصال لخدمة مصالحه، فكيف ترى هذا التوظيف، وما أبرز الملحوظات عليه، وما الفوائد التي علينا أن نخرج بها من هذا الصراع الإعلامي، وهل ستسهم هذه الحرب في تطوير الاستراتيجيات الإعلامية للغرب والشرق على حدٍ سواء؟
أفرزت الحرب الروسية مع الغرب- هكذا يجب أن تسمى- تحولًا مهمًا على الصعيدين العلمي والمهني، فعلميًا كانت فرصة لإجراء دراسات متعددة، ومتعمقة عما تقوم به وسائل الاتصال المختلفة في إدارة الصراع، وفرصة لإجراء مقارنة بين وسائل الجيلين – الإعلام التقليدي، والسوشال ميديا- ومجالًا خصبًا لاختبار نظريات الإعلام المختلفة، واستحداث نظريات جديدة.
مهنيًا، كانت فرصة لاختبار كل طرف من أطراف النزاع لمعرفة قدراته الإعلامية كإحدى أدوات إدارة الصراع، فكما تختبر الأسلحة بأنواعها المختلفة، يتم اختبار سلاح الإعلام، الذي لم يعد وسيلة لنقل الأخبار، بل تجاوز هذه المسؤولية بسنوات ضوئية، وصار صانعًا للحدث، وقائدًا للرأي العام، من خلال ما تمتاز به غرف الأخبار من عقول بشرية واصطناعية، قادرة على الفبركة التي يصعب اكتشافها.
وهناك بُعد آخر، وهو سقوط أكذوبة الحرية والاستقلالية، والحيادية، والموضوعية، التي لا وجود لها إلا في قاعات الدراسة، وبطون الكتب؛ بل وانكشاف المزاعم حول انكسار مقص الرقيب، وموت حارس البوابة، فمع كل حادثة تثبت هذه الوسائل أنها مُسيسة، ولها أجندتها الخاصة التي لا تستطيع العمل خارج إطارها، وهذا الكلام يشمل شركات التقنية العملاقة (جوجل- فيسبوك- تويتر- وغيرها) التي أثبتت أنها لا تعمل وفق المنطق التجاري والمهني، قدر عملها وفق التوجيه السياسي، وأن ما كانت تنتقد الآخرين به من الحجب والمنع، ومخالفته لحرية الرأي المتفق عليها، وقعت فيه بإرادتها.
تبارى الطرفان المتصارعان في تقديم وجبات متعددة النكهات، والألوان من الكذب والتضليل الإعلامي وتطويع الذكاء الاصطناعي، في إنتاج ما لا يسع المتلقي إلا تصديقه، فالإعلام المؤيد للموقف الروسي، أنتج بعض المشاهد القصيرة، كإظهار الرئيس الأوكراني بصورة المنكسر الذي يطلب من جنوده ومواطنيه إلقاء السلاح والاستسلام للجيش الروسي؛ بالإضافة لإصدار مشاهد ورسائل بأصوات أوكرانية ترحب بعودة الفرع إلى الأصل، وتستقبل الجنود الروس بالورود والأغاني الروسية الوطنية، وأخيرًا تصوير الرئيس الأوكراني بصورة المدمن على المخدرات.
فيما قام الجانب المؤيد للغرب، بفبركة فيديو قصف موسكو لمستشفى أطفال، وملجأ أضيف إليه بكثافة عويل النساء، وصراخ الأطفال، وبعض المناظر التراجيدية، ولم يكتفِ الإعلام الغربي بهذا، بل عمد لممارسة الاغتيال المعنوي للرئيس بوتين، من خلال تصويره وهو لا يستطيع التحكم في أطرافه، ما يعني أنه مصاب بمرض باركنسون، بالإضافة لجنون العظمة من خلال الضخ الإعلامي السلبي المكثف؛ بهدف الربط بينه وبين شخصية الزعيم النازي هتلر.
حرب المصطلحات لم تتوقف؛ فالغرب سعى لحقن عقل الرأي العام الغربي والعالمي، بمصطلحات تستقر في عقله الباطن، ويتم استدعاؤها متى ما أراد صانع القرار الغربي ذلك، فالحرب أطلق عليها “حرب بوتين” ولهذه التسمية أبعادها ومدلولاتها الخطيرة، وفي المقابل أطلق الروس عليها “عملية عسكرية خاصة”، وهي تحمل في طياتها مفهومًا مغايرًا عن معنى الحرب.
أبانت هذه الحرب عن بُعد آخر مارسه الجميع، وهو محاولة كل طرف تكميم مصادر الطرف الآخر، حتى لا تتذوَّق الجماهير التابعة له إلا مذاقًا واحدًا، وهذا يؤكد على خطورة وسائل الاتصال في الحروب، وأن دورها لا يقل عن بقية الأسلحة العسكرية، وأن هذه الوسائل لم تعد ناقلات للأخبار، بل هي من يصنعها، وفق أجندتها.
ورغم دخول وسائل التواصل الاجتماعي على خط الصراع، وتحول المواطنون في الاتجاهين لمراسلين حربيين، إلا أن بعض ما يتم نقله وتداوله لا يخلو من توجيهات مسبقة، حتى وإن حمل بصمة المواطن، فإذا كانت حرب الخليج الثانية هي أول حرب تليفزيونية تنقل بعض تفاصيلها على الهواء مباشرة، فهذه الحرب هي أول صدام مسلح تنقلها السوشيال ميديا ومزاحمتها للوسائل الأصيلة، إلا أن بعض الدراسات أثبتت أن التليفزيون هو المصدر المُفضل لمتابعة أخبار هذه الحرب.

قلت لصاحبي:
“أقوى جيش في تاريخ العالم يمكن أن يخسر حربًا، ليس في ساحة معركة الغبار والدم، ولكن في ساحة معركة الرأي العام العالمي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى