ما حدث قبل بضعة أيام في جنين والقدس من أحداث دامية يُعيد إلى الذاكرة الحالة المرضية المزمنة التي يُعاني منها الغرب ومجلس الأمن عندما يتعلق الأمر بالنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. فمذبحة جنين التي اقتحمت فيه دبابات ومدرعات الجيش الإسرائيلي مخيم جنين الذي لا تزيد مساحته على كيلومتر مربع واحد، وقتلت بدم بارد تسعة أشخاص من بينهم امرأة، وما أعقبه في اليوم التالي من قتل شاب فلسطيني تسعة إسرائيليين في القدس بمسدس عادي انتقامًا للجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في اليوم السابق في جنين، ذلك الفعل ورد الفعل أثار ردود فعل شديدة لدى الغرب الذي رأى في مذبحة جنين (الاستباقية) حقًا إسرائيليًا في الدفاع عن النفس للمحتل، فيما رأى في قتل الشاب الفلسطيني للإسرائيليين التسعة جريمة إرهابية بشعة، تستوجب الإدانة والاستنكار، وجاءت الإدانات الدولية من أمريكا والدول الأوروبية لتعيد للأذهان من جديد ما أصبح يعرف بسياسة ازدواجية المعايير أو الكيل بمكيالين. فالغرب كله ضد الاحتلال الروسي لأجزاء من أوكرانيا، والغرب كله يدعم أوكرانيا بالمال والسلاح في مقاومتها للروس، والغرب كله كان يدعم جنوب إفريقيا ضد حكومة بريتوريا العنصرية ونظام الأبارتهايد الذي كانت تطبقه ضد سكان البلاد، لكننا نرى هذا الغرب المنافق يدعم دولة الاحتلال (إسرائيل) التي تمارس- كدولة محتلة- أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني قتلًا وقمعًا واعتقالًا وحصارًا وتنكيلًا، إلى جانب الترانسفير والأبارتهايد، بالرغم من أن الشريعة الدولية وميثاق الأمم المتحدة نفسه يعطي الحق للفلسطينيين كشعب محتل الحق في الدفاع عن نفسه ومقاومة المحتل بكل الأساليب المتاحة حتى يسترد حقوقه المشروعة وأراضيه المغتصبة.
ما يدعو إلى الاستغراب أن أمريكا وأوروبا اللتين لم تدينا مذبحة جنين اعتبرتا (المذبحة) حقًا إسرائيليًا في الدفاع عن النفس، وهي المقولة التي تستخدمها بشكل دائم في كل عدوان إسرائيلي جديد على الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يواجه رابع أقوى جيش في العالم بأبسط الأسلحة منذ عقود عدة.
وعندما نتحدث عن سياسة ازدواجية المعايير التي ينتهجها الغرب ومجلس الأمن، فإنه لا بد من التذكير بموقف المملكة عام 2013، عندما رفضت مقعدًا في مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم لمدة سنتين، وذلك في بيان أصدرته الخارجية السعودية في شهر أكتوبر من ذلك العام عبّرت فيه عن عدم رغبة الرياض في عضوية المجلس حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعليًا من أداء واجباته. وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وجاء في بيان الخارجية أن المملكة ترى أن “أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين”. واعتبرت الخارجية بقاء القضية الفلسطينية بدون حل 65 عامًا وما أفرزته من حروب هددت الأمن والسلم العالميين دليلًا ساطعًا على عجز المجلس عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته.
ما هو مؤلم أن سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وإعلانها عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إثر كل عدوان همجي تقوم به، شجع إسرائيل على الاستمرار في انتهاك القانون الدولي، وإلى التعامل مع الفلسطينيين كأنهم أشباه بشر، وما لم يتوقف الغرب عن اتباع هذه السياسة، وما لم يتم إصلاح الأمم المتحدة، فإن العالم كله سيظل يُعاني من انعدام الأمن وعدم الاستقرار، وليس الشرق الأوسط فقط.