المقالات

أطفال سوريا لا يبكون

بعد أن سكبت محبرتي و غادرت الصحافة، إذ لم أسطر مقالاً منذ عدة أشهر، لكنني هنا كالذي استراح على جنبات غدير ماء ورأى الجمال، حتماً سيكتب شعراً أو حتى خاطرة غزلية، أو كالذي شاهد حريقاً وقوده الناس والحجارة المتهدمة عليهم، لا بد أن يسطر و لو بعض عبارات ليصف تلك المأساة، و هنا بيت القصيد الذي دفعني للملمة بقايا محبرتي المتكسرة عنوةً، و هذا الحدث الجلل الذي حرك شجون العالم بجميع أقطابه، من الذين نحبهم و غيرهم، و قد تزلزلت الأرض وتهدمت المساكن على قاطنيها في ثوانٍ معدودات، في أحياء جلّ مبانيها قديمة، لم تشملها التنظيمات الحديثة في البناء، لإنشغال أهلها بالإقتتال الدموي، و عبر الفضائيات شاهدنا فرق الإنقاذ ينتشلون آباءً وأمهات مكلومين، وشاهدنا أطفالاً بين الركام، والحديث هنا عن سوريا خاصة، و المؤلم فيها أن *أطفالها قست قلوبهم*، و ندر أن نشاهدهم يبكون صراخاً كالمعتاد في الكوارث، فقد جفت دموعهم و تحجرت قلوبهم، هل لأنهم تعودوا على الدمار وصوت القنابل والإنفجارات، التي طال زمانها لعدة سنوات عجاف، إذ تعودوا على فراق الأقرباء بكل فئاتهم، و لنا في تلك الطفلة وأخيها الأصغر منها، وحوارها مع الرجل المنقذ، و هي تجيبه عن عمرها و مرحلة دراستها، وتقول له بكل أدب وإحترام: *طلعني يا عمو،* أي موقف شجاع أكثر من ذلك، لطفلة تشاهد الدمار والدماء حولها، و هي تحمي رأس أخيها الطفل بذراعها، و كثيرون غيرها بين الركام و على أسرة المستشفيات البدائية، و أنابيب المغذيات والأبر تكبل جسدهم، وملامح الحزن تغطي وجوههم، أيضاً بلا دموع تعودنا مشاهدتها في المصائب على الكبار والأطفال خاصة، والله إنها مشاهد مؤلمة، تلزمنا بمزيد الدعاء والإبتهال إلى الله تعالى الرؤوف، أن يجبر كسرهم الآن، وبعد أن يستفيقوا من الصدمة، و يلملموا ما تبقى من أسرهم، لتزداد مآسي الشعب السوري لسنوات يزداد فيها الأرامل والأيتام، و بالتالي يتفشى الجهل و تزداد الإنهيارات الإقتصادية، هؤلاء الأطفال رغم قوتهم و جَلدهم في مواجهة الكارثة وتحمل مآسيها، هم أيضاً قنابل موقوتة لمستقبل بلادهم، ولا بد يوماً سيحاسبون قياداتهم عن التقصير في تحسين بلدهم، كغيرهم من الدول المتحضرة، أو بالتقصير في إنقاذ ذويهم آباءً وإخوة وأمهات، أو تجاه الأحزاب و الطوائف المتحاربة لديهم، التي ساهمت في دمار بلدهم، بحثاً عن مصالح شخصية و قتال على كرسي السلطة، و الغريب المفجع أنه رغم الكارثة التي شهدها بلدهم، إلا أنهم آثروا تعنتهم في جاهلية ممقوتة، تسقط فيها الإنسانية بلا مبالاة بالارواح، في تقسيمات جغرافية تقاسموها بالسلاح و البارود القاتل، آثروا بانانية ممقوتة أن لا يتقاسموا المساعدات و معدات الإنقاذ، القادمة من الحكومات والدول الأخرى، عبر المنظمات والهيئات والمؤسسات الخيرية، حقاً إنها الإنسانية المفقودة، التي بلا شك نتاجها أجيالاً تحجرت قلوبها بلا دموع، فمتى يستفيق هؤلاء المتناحرون لتعود سوريا مصيف العرب، سلة فواكه و مكسرات العالم.

عبدالرزاق سعيد حسنين

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى