المقالات

دراسة جدوى الزواج

الزواج ((مشروع)) بناء أسرة ناجحة ومستقرة نفسياً واجتماعياً، فعندما نَصِف الزواج بالمشروع، فهذا يعني أنه بمثابة أي مشروع سواءً كان تجارياً أو تعليمياً، أو بناء منزل العمر، أو غير ذلك، بل إن الزواج هو أهم مشروع في حياتنا، وحتى نضمن النجاح الباهر والمنقطع النظير لمشاريعنا، لكي تدر عليناً عائداً مادياً أو معنوياً مجديا، ينبغي قبل تنفيذها على أرض الواقع أن نخطط لها جيداً، وأن نجري لها دراسة جدوى.

والبعض لكي يضمن نجاح مشروعه التجاري قبل افتتاحه يلجأ لمكتب متخصص متمكن ومتميز في عمل دراسات الجدوى العلمية فيدفع مقابل ذلك المال الباهظ، ليحصل على دراسة جدوى جيدة توضح له نتائجها مدى نجاح مشروعه من فشله وبناءً عليه يقرر “وقلبه جامد ومطمئن” إما الاستمرار به أو تغيير المسار إلى مشروع آخر مبني على دراسة جدوى علمية.

أثناء دراستي في مرحلة الماجستير لمقرر تقويم البرامج والمشروعات الاجتماعية، ضرب لنا أستاذ المقرر سعادة البروفيسور فهد المغلوث مثالاً واقعياً مبسطاً للخطأ الذي يقع فيه كل من أراد افتتاح مشروعاً تجارياً، فهذا شخص كان يرغب بل ويحلم في فتح محل قرطاسية صغير، في أحد أحياء مدينة الرياض وفعلاً تم ذلك، ولكنه تفاجأ بفشل مشروعه، وبعدها فكر بأن يستطلع آراء سكان الحي عن أكثر مشروع تجاري يحتاجونه في الحي فكانت أغلب الردود أنهم يحتاجون محل “فول وتميس” لأن الحي لا يوجد به هذا المحل، وأنهم يضطرون للذهاب إلى الأحياء الأخرى، بعد صلاة الفجر، لشراء وجبة الإفطار من هذا المطعم الشعبي اللذيذ، وأيضاً لشراء وجبة العشاء، أما القرطاسية فهم لا يحتاجونها لوجود عدة محال في الحي تبيع الأدوات القرطاسية، وبناء على ذلك الاستطلاع البسيط لآراء سكان الحي الذي يعتبر كدراسة الجدوى المبسطة والعشوائية لأنها لم تطبق بالأسلوب العلمي، ومع ذلك استبدل مشروعه من القرطاسية إلى محل الفول والتميس وفعلاً أصبح ينهال على محله سكان الحي بشكل يومي من جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية للشراء منه، فرغم قلة قيمة هذه الوجبة التي تبلغ ريالاً واحداً للفول وريالاً واحداً للتميس إلا أن عدد مرتادي هذا المحل من سكان الحي كان مرتفعاً جداً، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة مبيعات المحل والدخل ونجاح هذا المشروع البسيط.

من المثال السابق يتضح لنا أن المشاريع التجارية لا تبنى على الأحلام والرغبات الشخصية، وإنما تبنى على دراسة الجدوى ومراعاة عدة معايير فيها كالموقع، والأشخاص، والاحتياجات، وكل ما يسهم في نجاح المشروع التجاري.

وكذلك الزواج، وهو أهم مشروع كونه في حال فشله قد تنتج عنه الخلافات الزوجية، والتفكك الأسري، والطلاق، وتعرض الأبناء للأمراض النفسية، وربما انحراف الأبناء، عندما يتم الزواج بشكل عشوائي، وبدون دراسة جدوى تكون النتيجة المتوقعة هي فشل الحياة الزوجية والأسرية.

لذلك من الواجب تقديم النصح والإرشاد للمقبلين على الزواج بأن يُعمِلوا العقل قبل العاطفة والأحلام، وأن يقوموا بإجراء دراسة جدوى، والتركيز على أهم معايير هذه الدراسة ونجاح مشروع الزواج التي يمكن بناءً عليها تقييم الخاطب والمخطوبة وهي ما وصى به نبينا محمد ﷺ: “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض”، والقائل ﷺ : تنكح المرأة لأربعة لمالها، وجمالها، وحسبها، ودينها، وركز على الدين فقال: فاظفر بذات الدين تربت يداك، وهذا يدل أن قوة الوازع الديني وتقوى الله في كلا الطرفين (الخاطب والمخطوبة) هو أساس نجاح مشروع الزواج.

ثم تأتي بعد ذلك معايير أخرى ضرورية تساهم في نجاح الزواج بإذن الله، وهي أنه ينبغي قبل السؤال عن خلق الخاطب وخلق المخطوبة أن يتم السؤال أولاً عن خلق والديهما وعن علاقتهما وكيفية تعاملهما مع الآخرين، سواءً في البيئة الداخلية مع (أفراد الأسرة) ووضع الأسرة العام وسمعتها، أو عن كيفية التعامل مع الآخرين في البيئة الخارجية مع (الأقارب والجيران والعمل…الخ) فإن ذلك قد ينعكس على أخلاق وسلوك الزوجين وعلاقتهما الزوجية فيما بعد ويعطينا مؤشر في المستقبل عن نجاح مشروع الزواج أو فشله.

وكذلك من أسباب نجاح الزواج وانسجام الزوجين هو التجانس بين الزوجين في المستوى الديني والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي والعمري، واجتناب تدخل الوالدين والأقارب وغيرهم من المحرضين والمفسدين لا المصلحين في حياة الزوجين.

وبإذن الله، فإن عمل دراسة الجدوى قبل الزواج وهي مراعاة تلك المعايير السابق ذكرها، سوف يخفف كثيراً ويخفض من نسبة المشاكل والخلافات الزوجية ومن الطلاق وتبقى بعض الخلافات بين الزوجين الطبيعية والتي لا يخلو منها بيت وعلى رأسها البيت النبوي، يمكن تجاوزها بالصمت أثناء نشوب الخلاف وبالتغافل، وإذا لزم الأمر ينصح بمراجعة المستشارين الأسريين.

قيل إن الإمام ابن حنبل سُئل: «أين نجد العافية؟» فقال: «تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات»، ثم قال: «بل هي العافية كلها». التغافل فن من فنون الحياة التي كنت أتمنى أن تعلمه المدارس كمهارة حياتية مفيدة للفرد والأسرة والمجتمع.

مستشار أسري واجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى