المقالات

الشهرة الفارغة

لو رجعنا بالزمن للخلف في أواخر الستينات تحديداً من القرن الماضي نجد أن الرسام الأميركي (آندي وارهول) تنبأ بظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وتحدث عنه في إحدى مقابلاته بمقولته الشهيرة: “في المستقبل سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال كل 15دقيقة فقط”. ورغم أنه في الستينات لم تكن وسائل الإعلام واسعة الانتشار بما يحقق نبوءة وارهول، لكن بعد أكثر من خمسين عامًا من تنبؤاته ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي التي حملت على عاتقها تلك المهمة، فصار ما يكتبه المرء في الشمال الأقصى بإمكانه أن يصل إلى أدنى الجنوب….
وذلك الزخم هو الذي أفسح كثيرًا لانتشار المشاهير على نطاق واسع وضخم لم يسبق له مثيل في الماضي، فصارت وسائل التواصل الاجتماعي عامرة بالكثير من الأسماء المشهورة فمنهم الذي يقدم محتوى علميًا أو معرفيًا، ومنهم على النقيض من يتفنن في المحتوى الفارغ، وبالتالي ظاهرة الشهرة السريعة على مواقع التواصل الاجتماعي تبرز لنا كحالة تحتاج إلى التأمل والتساؤل!!!!!!!
فمن خلال بحثي عن سيكولوجية الشهرة وسبب بحثها عن التقدير، ربطتها بهرم ماسلو للاحتياجات البشرية التي تبدأ حاجه الإنسان فيها إلى إشباع رغباته الفسيولوجية، ثم الأمنية مروراً بالرغبات الاجتماعية، ليقف به التدرج إلى الحاجة إلى التقدير ثم يمضي إلى أعلى الهرم إلى تحقيق الحاجة الذاتية في التميز والتفرد.
فالحاجة إلى التقدير إذن هي ذلك الدافع الطامع إلى إشباع رغبة المشهور والمتمركز حول الأنا حيث تقترن حاجات تحقيق الذات اقترانًا وثيقاً بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور، وفي هذا السياق تحديداً قسم الدكتور ميتش برينشتاين أحد الباحثين البارزين في علم النفس، الشعبية إلى نوعين وهما: النوع الأول وهي الشعبية القائمة على التفضيل الاجتماعي أو المحبة والاحترام اللذان يلقاهما المرء نتيجة لتمتعه بشخصية جذابة وكاريزما لطيفة. أما النوع الثاني؛ فهي الشعبية المتمحورة حول السمعة الاجتماعية والتي يسعى من خلالها المرء لحيازة الإعجاب بصرف النظر عن كونه محبوباً أو لا!!، وهذا النوع للأسف هو المنتشر الآن في العالم.. وبصورة خطيرة جدًا.
وهذا النوع تحديدًا أصبحت أهدافه اليوم تعكس رغباته في امتلاك المزيد والمزيد من الممتلكات والحصول على المزيد من القوة والشعور بالمكانة المجتمعية والتفرد والإتيان بكل شيء مخالف للقيم المجتمعية من أقوال وأفعال حتى يضمن استمراريه هذه الشهرة الزائفة، وهذا النوع يتناقض بشكل صارخ مع رغبة المجتمع في تعزيز قيمه، والمحافظة على مبادئه ومعتقداته الإسلامية.
مما تقدم نختصر لكم أننا إذا أردنا أن نكون مشهورين، فإننا أمام احتمالين لا ثالث لهما؛ إما أن نكون مستحقين لتلك الشهرة لما لدينا من الإفادة المعلوماتية والمنجزات العلمية والمجتمعية والمؤلفات البحثية والأرصدة الثقافية والخبرات التراكمية. أو نكون لا سمح الله شخصيات فارغة ساعية للشهرة بأي ثمن، وبدون أي رصيد معرفي، ومحتوى فارغ وهادم للمبادئ والقيم المجتمعية.
وبفضل من الله ومنته فقد أولت حكومتنا الرشيدة هذا الجانب اهتمامًا بالغًا يضمن إعادة ضبط محتواهم وسن القوانين الصارمة المستقاة من كتاب الله وسنة رسوله لمنع تلك التجاوزات، حيث ضربت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع بيد من حديد في كل من تسول له نفسه في تشويه سمعه هذا الوطن بقيمه ومرتكزاته ومبادئه الرصينة.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. مقال متماسك، بدأ بمقدمة تمهيدية، عبر لغة رصينة، بنموذج وتوابعه، وما أعظم الفقرة قبل الأخيرة، وخاتمة موفقة، ويبدو أن الكاتبة باحثة قديرة، فضلا عن شخصيتها المحافظة، الواضحة في الفقرة الأخيرة.

  2. الشعبية المتمحورة حول السمعة الاجتماعية والتي يسعى من خلالها المرء لحيازة الإعجاب بصرف النظر عن كونه محبوباً أو لا!!، وهذا النوع للأسف هو المنتشر الآن في العالم.. وبصورة خطيرة جدًا.

    مقال موفق زادك الله من فضله.

  3. أحسنتي د. نجوي في اختيار الموضوع لانه من الموضوعات المعاصرة التي صنعت الهوس لدى الجميع الصغار والشباب والشيوخ بالاقتران بها، كما ابدعتي في تشخيص قضيته بتكامل جوانبه، وحيثيات وجوده، والمقارنة بين جنباته. ثم وضع الاضافة العلمية القائمة على جانبي علم الاجتماع وعلم النفس. شكرا لك وجزاك الله خيرا، ودمتي بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى