المقالات

عامٌ على الغزو الروسي لأوكرانيا: وماذا بعد؟

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير العام الماضي، تكبد الجانبان أكثر من مئة ألف ضحية، إلى جانب تدمير آلاف الدبابات والمدرعات، وتقلص الاقتصاد الأوكراني بنسبة 30 ٪، وتشريد أكثر من 30 ٪ من الشعب الأوكراني، وتعرض بنيتها التحتية للدمار، وتضرر حوالي 40 من قدرتها على توليد الكهرباء، في الوقت الذي لا يبدو فيه أن أي من الطرفين مستعد للتنازل، أو التفاوض، أو حتى مجرد التفكير في وقف إطلاق النار. الآن، وبعد عام من اندلاع تلك الحرب الضروس يمكن القول: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب عدة أخطاء مميتة، أولها إساءة تقدير قوة جيشه وقدراته القتالية، والاستهانة بصلابة المقاومة، وبمقدرات القوات الأوكرانية القليلة العدد. فروسيا تنفق ميزانية قيمتها 60 مليار دولار سنويًا، على الدفاع، أما ميزانية أوكرانيا العسكرية فلا تتجاوز 4 مليارات دولار سنويًا. وقد أبدى العديد من المراقبين دهشتهم لعدم استخدام موسكو أسلحتها الحديثة في معاركها في أوكرانيا، مثل دبابات تي 14 أرماتا، وكل ما استعملته روسيا هي الدبابة القديمة تي 72، والعربات المدرعة، ومنصات إطلاق الصواريخ التقليدية، كما أن روسيا لم تستخدم أسطولها بشكل فعال في المعارك، ومُنيت بخيبة أمل كبيرة من جراء إغراق القوات الأوكرانية للسفينة الحربية الروسية موسكافا بمساعدة الاستخبارات الأمريكية.

والخطأ الثاني، افتراض بوتين الخاطئ بأن أوكرانيا لن تقاوم الغزو، ولن تصمد طويلًا، وأنها لن تتلقى هذا الدعم الحربي والمالي والمعنوي الهائل من الغرب، وافترض بوتين أن النصر سيكون سريعًا وسهلًا وأن قواته ستسيطر على كييف في غضون أيام، لكن المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 3 ملايين نسمة لم تسقط أبدًا، واعتقد بوتين أيضًا أن العقوبات الاقتصادية للغرب لم تصل إلى هذا الحجم الذي وصلت إليه، وراهن على عدم قدرة أوروبا الغربية على إيجاد مصادر بديلة للطاقة. بيد أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه بوتين يتمثل في غزوه لدولة مدعومة من قبل تحالف (الناتو) يبلغ إجمالي ناتجها المحلي 20 ضعف الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، إضافة إلى أن هذا التحالف ينتج أكثر الأسلحة تطورًا في العالم.

ومن المؤشرات على تداعي القوات الروسية طلبها طائرات درون إيرانية وطلبها من الصين وكوريا الشمالية تزويدها بما ينقصها من معدات حربية. كما أن قرار بوتين بالتعبئة العسكرية الجزئية التي تضم 300 ألف جندي كان خطأ أيضًا، فقد كشف عن شراسة المقاومة الأوكرانية، ووجد ردود فعل غاضبة في الداخل الروسي.

لكن بوتين لم يكن وحده المخطئ في هذه الحرب، فالرئيس الأوكراني زيلينسكي والغرب ارتكبوا أيضًا العديد من الأخطاء المميتة، فقد استبعدوا أن تطول الحرب لسنوات، وبالغوا في قوة وتأثيرات العقوبات الاقتصادية، وقللوا من عُمق المعارضة الروسية للجهود الغربية لإدخال أوكرانيا في فلكهم، وأصبح من الواضح أن صمود أوكرانيا في تلك الحرب، واستمرارها في المقاومة يتوقفان على استمرار الدعم السلاحي الغربي، فيما يستبعد المراقبون أن تتمكن أوكرانيا من تحقيق النصر على روسيا في نهاية المطاف.

انعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية على الوضع الأمني في المنطقة ستزداد هذا العام، فرغم تعقيدات الموقف بشكل عام؛ حيث تقف إيران كحليف وثيق لروسيا في حربها في أوكرانيا، في الوقت الذي تدعم فيه طهران القوى المناوئة لدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، وفي الوقت الذي يستمر فيه العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا والوجود الإيراني فيها، رغم الوجود العسكري الروسي عبر قاعدتين عسكريتين بحريتين، سيكون التراجع الأمريكي عن مسؤولياتها في الشرق الأوسط أكثر حذرًا في ظل ارتباط العلاقة مع قوى الإقليم؛ حيث ستكون دول الخليج المصدرة للطاقة -خاصة السعودية والإمارات وقطر- مهمة لواشنطن، وهو ما سيجعل واشنطن أكثر حرصًا على طمأنة حلفائها وطي صفحة توتر العلاقات، بينما ستكون إيران أكثر التزامًا تجاه العلاقة مع روسيا؛ لأن إضعاف نظام الهيمنة الأمريكي يُمثل مصلحة استراتيجية لكل من موسكو وطهران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى