في ظل الجهل بنتائج الفتوى وأخذها ممن لا يعرف مقاصد الشريعة الإسلامية وأنه ما تشاد في الدين أحد إلا غلبه وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأن القرآن الكريم هو القول الفصل وما هو بالهزل فقد تجرأ الكثير قديما على تقديم الفتوى على أطباق من الأنا وتضخيم الذات أمام الناس بما لم يصلوا إلى عمق المعاني التي يريدها الشارع الحكيم في قضايا الإنسانية التي شرعها رب العزة والجلال عندما أرسله للناس كافّة الذي لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي يوحى ومن آفة ما وقع فيه المستفتين في أمور دينهم ودنياهم أن صدقوا هؤلاء ولم يرجعوا لكبار العلماء المخولين بالفتوى التي توازن بين ما يصلح للعبد بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية التي يقول عنها العلماء الربانيون أن إطلاق كلمة حرام على كل ما يرد من أسئلة أو حتى حلال دون أدنى مسوغ من الثابت يعتبر إزهاق لروح الفتوى بل وأتذكر أن بعض علمائنا الأجلاء ذكروا أن كلمة الحلال والحرام لا تطلقان على ظاهرها اللغوي بقدر ما ينظر لهما من حيث ورود الأدلة ثابتة القطعية من الكتاب والسنة أو مما اجتهد فيه العلماء لضبطه على الأعمال وبالتالي لن يظل من اهتدى لطرق الحق ولن تزل قدمه في الفتوى بدون علم فيقع الناس في حبال التقدم أو التراجع في ما يريدون عمله .
كنت بالأمس أبحث عن بعض أوراقي فوجدت بطاقة مدون بها إسمي وتوقيعي قبل قرابة ثلاثة عقود أو أكثر حيث كانت في الباحة وربما في غيرها من بلادنا حملات للتبرع بالكلى حسب الظروف التي تبيح للأطباء الاستفادة منها في حالات الوفاة وفق ما اتفق فيه العلماء الشرعيين والأطباء المعنيين والحمد لله مازلنا من عباده الأحياء الذين يتمتعون بالصحة بنعمة من الله وأتذكر وقتها أن البعض لم يؤيدني على هذا العمل ربما من باب التخوف منها والخوف علي من تبعاتها التي كنا نجهلها لعدم الاختصاص ولكني أيقنت أنها عمل قد يقربنا إلى الله الذي يجازي البشر بما نووا فما بالك إذا فعلوا !؟
وفي نفس اليوم وصلتني رسالة وفيديو عبر الواتس من الصديق اللواء محمد إبراهيم الغامدي أحد رجال الأمن بالباحة سابقا وهو ينقل لي خبر أحد رجالات الباحة وتحديدا قرية رغدان القريبة منها وإليكم القصة :
الصديق المربي سالم خرصان الغامدي وهو من أعيان قرية رغدان ومن بيوتها الضاربة في جذور الكرم وحسن الأخلاق الذي أقام حفلا في منزله جمع فيه بعض أقاربه وأقارب زوج ابنته ( محمد عبد الله الزهراني ) من قرية الأثمّة الذي تبرع بكليته لزوجته إيمان سالم خرصان التي كانت تعاني من مشاكل صحية في الكلى وصلت بحسب تقرير الأطباء في التخصصي بجدة إلى ضرورة البحث عن متبرع لينهي معاناتها أو تبقى تحت رحمة الغسيل فيما لو حدث مكروهاً لا تحمد عقباه بسبب الفشل الكلوي الذي سيجعلها تخضع لغسيل الكلى أسبوعيا فما كان من محمد الزهراني وفي عمل لم يطلب منه إلا إعلانه التبرع بالكلية ليحقق لأم أولاده الحياة الكريمة وتم عمل الفحوصات اللازمة التي حققت الزراعة في التخصصي بنجاح وأصبح محمد وزوجته يتمتعان بالتعافي ويتماثلان للشفاء بعد ثلاثة أشهر وفي أثناء هذه الاحتفالية فاجأ سالم الحضور بارتجاله كلمة شكر لله ثم للحاضرين ثم سرد قصة ابنته إيمان وزوجها محمد باختصار مع ما حصل بينهما من مودة ورحمة تجسدت في هذا التبرع السخي ليثبت السكن بين الزوجين الذي عناه القرآن بينهما فقدم سالم خرصان الغامدي هدية لزوج ابنته محمد عبارة عن سيارة كامري جديدة موديل 2023 بأكثر من مائة ألف ريالا وسط دعاء الجميع بأن يتم الله عليهما الصحة والعافية ويكثر من أمثالهم في المجتمع وقت الأزمات وبين الأرحام والزوجين بالذات .
القصة انتهت ولكنها لن تنتهي مع حصول حالات مشابهة لعدة أسباب بل تعطي دروسا كثيرة بأن المجتمع مازال بخير مادام هناك مثل محمد وسالم ممن يعي بقوة الرابطة في صلة الرحم وفي ضرورة المحافظة عليها بالتعاون بين الزوج والزوجة وعدم الإصغاء للدعوات التي تثير بينهما تعب الحياة بغبار التدخلات الشريرة من أي طرف سواء من والدي الطرفين لأسباب عنترية أو مادية أو من أصدقاء وصديقات السوء اليوم وهم كثر مع الأسف دونما وازع ديني أو أخلاقي بالتخبيب أو بالتحريش والإهمال الذي هدم كثيرا من البيوت الآمنة المطمئنة وخلّف لنا هذه الأعداد والنسب المهولة من حالات الخلع والطلاق الذي فرق بين الأزواج بدون وجه حق وجعل الأبناء والبنات عرضة للحالات النفسية وعدم الاستقرار وكان ذلك سببا في تقطيع أواصر المودة والرحمة والمحبة التي كانت وستظل الهدف الحقيقي من الزواج المشروع .
انعطاف قلم :
رحم الله شيوخنا الذين انتقلوا إلى رحمة الله وكانوا محل ثقة الجميع في الفتوى كالشيخ بن باز وبن عثيمين رحمهما الله وحفظ من هم بيننا اليوم ونحسبهم والله حسيبهم أنهم ممن يضعون نصب أعينهم في الفتوى بالأدلة ما ينفع الناس في حياتهم وبعد مماتهم وبهذا المناسبة أدعوكم لا تبخلوا بما قد ينقذ الأرواح كالتبرع بالدم والكلى والكبد وغيرها مما أجازه الشرع والطب وبما لا يعيق حياتكم والله يحفظ الجميع .