المقالات

سلوكيات تُعيق العملية التنموية الرياضية

يتضح جليًا للمشاهد السعودي والعربي مدى الاهتمام الكبير والواسع من القيادة الرشيدة تجاه الرياضة السعودية؛ وذلك بعد سنوات عجاف لم تحقق فيها الرياضة السعودية الإنجازات المأمولة والمتوقعة والمُخطط لها، وقد ظهر هذا الاهتمام بدايةً بظهور الأمر السامي من سيدي سمو الأمير محمد بن سلمان بتسديد جميع مديونيات الأندية السعودية داخليًا وخارجيًا، ومن ثم ظهرت قرارات كثيرة مهمة وواضحة قد ساعدت بشكل كبير في تطور الرياضة السعودية حتى وصلت إلى ما عليه الآن، ولعل الإنجاز الكبير الذي حققه المنتخب السعودي في كأس العالم في قطر بعد الفوز التاريخي والمثير على محقق البطولة العالمية والقارية هو خير مثال على مدى انعكاس كل هذه الأمور الإيجابية والتطويرية على الرياضة السعودية، وتُعد كل هذه النجاحات والمحاولات لتبيان مدى ارتباط وعشق الجماهير لهذه اللعبة، ونقل الثقافة السعودية إلى العالم أجمع هي بمثابة حملات العلاقات العامة وحملات الصورة الذهنية، والتي تهدف إلى صناعة صورة ذهنية نمطية جيدة ومميزة عن الدولة والشعب.

وبعد كل هذه الأمور الإيجابية نتفاجأ ببعض التصرفات والسلوكيات غير التنموية وغير المُدركة لكل هذه الجهود المبذولة؛ من أجل الارتقاء والتطوير الذي تسعى له الوزارة، وعلى سبيل التوضيح، ما نجده منذ فترة من ارتفاع وتضخم مُبالغ فيه وغير مُبرر لأسعار تذاكر المباريات؛ والذي قد يصل إلى أكثر من أربعة أو خمسة أضعاف السعر الحقيقي، في كل مباراة يكون طرفها ناديًا جماهيريًا، هو أمر غير تنموي ويعيق العملية التنموية الرياضية ويفقد جمالية الدوري وقوته ورونقه، كما أن مشجعي الأندية الجماهيرية هم أكثر المتضررين من هذا الأمر، ولنا في عميد الأندية السعودية نادي الاتحاد السعودي خير مثال على ما ذكرت، فارتفاع الأسعار قبل كل مباراة يكون طرفها نادي الاتحاد هو أمر غير مقبول، ويقلل من جمالية الدوري، ولأكون صريحًا وواقعيًا في هذه المسألة الحساسة، والتي قد لا تُعجب البعض من المُحبين والعاشقين للأندية الأخرى، بعد عزوف الجماهير عن المدرجات وهبوط النادي الأهلي بكل عراقته وتاريخه إلى دوري “يلو”، والذي يُعد أكثر الأندية حضورًا بعد عميد الأندية السعودية، لم يتبقَ سوى جماهير الاتحاد الوفية، والتي نراهن بها لعكس مدى جمالية وقوة الدوري السعودي، والتي في الحقيقة لا يضاهيها أحد على الأقل حاليًا.
فلماذا نحارب الجماهير ونحثهم على العزوف عن الحضور بهذه المبالغ الخيالية والفلكية ونحن نعلم تمامًا بأن أغلب الجماهير هم من فئة الشباب؟
وما هي الفائدة المرجوة من نقل مباريات الدوري عبر وسائل وقنوات عالمية ومقاعد الملعب تخلو من الجماهير السعودية؟

المُزعج في الأمر هو ما يتم تناقله من بعض النقاد الإعلاميين من خلال تبريرهم لهذه التصرفات والسلوكيات بأنها حق مشروع، ومن حق النادي انتهاجه، ضاربين عرض الحائط بكل الجهود المبذولة والمحاولات لتعزيز صورة الدوري خارجيًا، غير مكترثين ولا مُبالين بالشخص البسيط الذي لا يقدر على دفع هذه المبالغ الخيالية والتي كما أشرت سابقًا قد تصل إلى أربعة أو خمسة أضعاف سعرها الحقيقي، والسؤال الذي أطرحه عليهم وأتوقع منهم عدم الإجابة عليه هو: هل بهذا الفكر وبهذا النهج سيحقق النادي الربح وخصوصًا بعد عزوف الجماهير عن الحضور؟
ما أود توضيحه يجب أن نفرق تمامًا ما بين الربح والاستغلال، فالربح أمر مشروع لكن إن تجاوز المسموح به تحول إلى استغلال وطمع، وقد وصُف سابقًا بأن “الطمع يقل ما جمع”، أخيرًا أرجو من رؤساء الأندية الكرام الانتباه والتفطن لهذه المسألة ومن مبدأ المسؤولية المؤسسية تجاه المجتمع، فجميعنا شاهدنا في فترة “كورونا” مدى سوء المباريات وكيف تساوى أقوى وأجمل دوري بأسوأ دوري بسبب غياب الجماهير, كما آمل من الجهات المعنية بهذه المسألة بوضع معايير وقوانين تحد وتقلل منها حتى يتم القضاء عليها؛ وكلنا ثقة بها.

– عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

عمرو عادل بسيوني

محاضر - جامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى