قبل أيام كنت أشارك زملاء المهنة من الأخصائيين الاجتماعيين المتقاعدين، في حفل التقاعد المعد لهم، ولكن لا أدري هل كنت أشاركهم فرحة التقاعد أو حزن التقاعد، وفي اعتقادي أن مشاعر المتقاعد تمتزج في هذه المناسبة بين الفرح والحزن، وإن كان هناك تفاوتاً بين المشاعر، فالبعض يغلب عليه شعور الفرح كونه سوف يرتاح من عناء ومشاق الوظيفة ويستمتع بحياته بعد التقاعد، والبعض الآخر يغلب عليه شعور الحزن لأنه سيغادر بيئة العمل، ويبتعد عن زملائه وذكرياته معهم، وسيترك وظيفته التي أمضى بها سنوات طويلة من عمره من أجل أن يساهم من خلالها في خدمة وطنه ويرد للوطن ولو بعض الجميل .
مما أثار إعجابي في حفل التقاعد السالف ذكره، هو ما عبّر به زميلنا المتقاعد الأخصائي الاجتماعي الأستاذ خالد بن علي راجح، عن الوطن، في كلمة مرتجلة موجزة منذ بداية توظيفه إلى يوم تقاعده وقد جاء في كلمته القيمة التي قال فيها:
“بدأنا حياتنا مع الملك فيصل، ثم الملك خالد، ثم الملك فهد، ثم الملك عبدالله، -رحمهم الله- ثم الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان-حفظهم الله- وكانت بداياتنا بسيطة، وكان كلما تطور الوطن كلما تطورنا معه، تطورنا في مساكننا، وفي رزقنا، وفي صحتنا، وفي دراستنا، وفي جميع الجوانب، فإذا كانت هنالك كلمة شكر نهائية للمتقاعدين يذكرونها فهي توجيه الشكر لهذا الوطن المعطاء الذي منحنا هذا القدر الكبير من التقدير والاحترام والوفاء، تحت راية حكامنا الأخيار” ولهم منا دائماً وأبداً السمع والطاعة.
وبحكم أن كاتب هذا المقال يعتبر من المخضرمين في المجال الاجتماعي، كونه أخصائياً اجتماعياً عمل في هذا المجال وتحديداً في المجال الطبي في هذه المهنة ما يقارب ثلاثة عقود فقد شهد في البدايات كيف كان حال مهنة الخدمة الاجتماعية الطبية، وكيف أخذت بالتطور التدريجي عبر السنين وهذا يؤكد مدى حرص حكام الوطن ومؤسساته ورجاله المخلصين في التأسيس والبناء من أجل تطوير تخصص مهنة الخدمة الاجتماعية في المستشفيات الحكومية، وفي المجالات الأخرى، فليس اليوم كالأمس، لا سيما أن من تطلعات رؤية ٢٠٣٠ هو برنامج جودة الحياة، بتحسين جودة حياة الفرد والأسرة والمجتمع.
اما مهنة الخدمة الاجتماعية فهدفها الرئيسى تنمية المجتمعات وذلك عن طريق البحث عن القوى و العوامل المختلفة التي تحول دون النمو والتقدم الاجتماعي مثل الحرمان والبطالة والمرض والظروف المعيشية السيئة التي تخرج من نطاق قدرة الأفراد الذين يعانون منها والتي تعمل على شقائهم كما تبحث عن أسباب العلل في المجتمع لكي تتصدى وتكافح هذه الأسباب وتنتقي أنسب الوسائل الفعالة في المجتمع للقضاء عليها أو التقليل من آثارها والأضرار التي تنتج عنها إلى أدنى حد ممكن.
وإذا ما تتبعنا التسلسل التاريخي لتطور ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعيه في المجتمع السعودي ( من الأقدم إلى الأحدث )
نجد أنه في عام ١٩٥٥م استعانت وزارة المعارف آنذاك باثنين من الأخصائيين الاجتماعيين من جمهورية مصر العربيه
وفي عام ١٩٦٥ م كانت البداية الحقيقيه لقيام المملكة العربية السعوديه ممثلة بوزارة المعارف بالتعاقد مع (٤٤) أخصائياً اجتماعياً من مصر عملوا كأخصائيين اجتماعيين في المدارس.
وفي عام ١٩٦٦م تعاقدت وزارة العمل والشئون الاجتماعية مع أخصائيين اجتماعيين من مصر للعمل في الإدارة العامة للرعاية الاجتماعية وذلك للمساهمة في تخطيط وتنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية كبرامج رعاية الأحداث وذوي الإعاقة والأيتام … الخ.
وفي عام ١٩٧٣م تعاقدت وزارة الصحة مع (٣٥) أخصائياً اجتماعياً من مصر للعمل في المجال الطبي، تم تعيينهم في مستشفى الأمراض النفسية ومستشفى الأمراض الصدرية في مدينة الطائف، اعتقاداً وظناً بأن العمل يقتصر فقط على هاذين النوعين من المستشفيات.
إلى أن صدر قرار بإنشاء مكتب الخدمة الاجتماعية عام ١٩٧٤م ليحدد اختصاصات تفصيلية لممارسة الخدمة الاجتماعية الطبية في المملكة.
وفي عام ١٩٧٤م تم استعانة الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالأخصائيين الاجتماعيين الذين يعملون في الأندية الرياضية ليسهموا في تحقيق أهداف المملكة في رعاية الشباب وتقديم الأنشطة الاجتماعية والثقافية لهم.
وفي عام ١٩٧٥م تم الاستعانة بالأخصائيين من خلال عملهم في الإرشاد الأكاديمي لطلاب الجامعات والكليات التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات.
وعلى الرغم من العمر الزمني القصير للمهنة في المجتمع السعودي إلا أنها أزدهرت و تطورت بشكل كبير في فترة زمنيه وجيزة سواء على مستوى التعليم بافتتاح أقسام الخدمة الاجتماعيه في مختلف الجامعات و على مستوى الممارسة بدخولها مجالات متعددة لم تكن متاحة من قبل.
و أزدياد عدد الاخصائيين الاجتماعيين ووجودهم في مختلف القطاعات و الجهات و لا زال أمام مستقبل باهر لها و لأبنائها.
ومع التطور المستمر الذي شهدته المملكة العربية السعودية من يوم التأسيس وما زالت تشهده إلى يومنا هذا، وإلى أن تتحقق رؤية ٢٠٣٠ الطموحة، بإذن الله، فمنذ الثلاث العقود الماضية تقريباً استطاعت المملكة سعودة وظيفة الأخصائي الاجتماعي رجالاً ونساءً في جميع المجالات التعليمية والطبية والاجتماعية … الخ بشكل كامل بنسبة ١٠٠٪ .
بدأت من الصفر يا وطني من ثلاثة قرون وها أنت اليوم تقف شامخاً في مصاف الدول المتقدمة.
– مستشار أسري واجتماعي